قرأت مقالاً للدكتورة هبة شوكري وهي طبيبة وناشطة صومالية ، وأقدر مشاعرها الوطنية الصادقة وحرصها على وحدة الصومال
حديثها عن الخرائط المغشوشة ومؤامرات التفرقة يلامس قلوبنا جميعًا، لأن الوحدة هي القيمة التي ضحينا من أجلها بالغالي والنفيس. ولكن، مع كل التقدير، فإن مقالها يرتكز على مغالطة أساسية وخطاب عاطفي لا يخدم الحقيقة، بل يعيد إنتاج لغة الأمس التي قادتنا إلى الفوضى.
إن "صرخة" الكاتبة في وجه "الخرائط المغشوشة" هي صرخة في وجه واقع فرض نفسه بعد فشل النموذج المركزي الذي دافعت عنه مقديشو لسنوات.
إن مصطلح "بونتلاند ذات الحكم الذاتي" لم يولد في "دهاليز بعيدة" كما تزعم الكاتبة، بل وُلد من رحم معاناة الشعب الصومالي الذي ضاق ذرعًا بالمركزية والإقصاء. لقد كانت بونتلاند هي الصوت الأول الذي نادى بنظام فيدرالي حقيقي، كنظام حكم يضمن العدالة والمشاركة، ويحول دون عودة الاستبداد. إن الفيدرالية ليست "كيانًا منفصلًا"، بل هي النموذج الدستوري الذي يجمعنا.
إن اتهام بونتلاند بالسعي للانفصال هو "كذبة" فبونتلاند، منذ تأسيسها، كانت الركيزة التي حفظت وحدة الصومال في أحلك الظروف. وهي من احتضنت مؤسسات الدولة الفيدرالية في بداية تكوينها. إن مطالبتها بالحقوق الدستورية والتمثيل العادل ليست علامة على الانفصال، بل هي دليل على إيمانها العميق بوحدة وطنية حقيقية، لا شعارات فارغة.
أما الهجوم الجيوش إلكترونية من مقديشو، فإنه يعكس فشلاً في فهم طبيعة العلاقة السياسية بين الحكومة الفيدرالية والولايات. إن الخلافات السياسية حول الصلاحيات وتقاسم الثروات هي جزء طبيعي من أي نظام فيدرالي. ووصف هذه الخلافات بأنها "مؤامرة لتمزيق الروح الوطنية" هو تبسيط مخل ومحاولة لإشعال فتيل الفتنة بدلاً من معالجتها بحكمة.
إن الوحدة الحقيقية لا تبنى على إلغاء الهويات المحلية أو قمع الأصوات المختلفة. بل تبنى على الاعتراف بالتنوع، واحترام الدساتير، وتقاسم السلطة بشكل عادل. لقد دفعنا ثمنًا باهظًا بسبب الوحدة المزيفة التي كانت ستارًا للحكم الفردي.
في النهاية، مقال الدكتورة يثير مشاعر الوحدة ولكنه يهاجم ركائزها الدستورية. إن "الخرائط المغشوشة" ليست تلك التي تظهر عليها بونتلاند ككيان حكم ذاتي، بل هي تلك التي يرسمها من يرفضون الحوار السياسي، ويحاولون إعادة الصومال إلى مربع الحكم المركزي، في الوقت الذي أثبتت فيه بونتلاند أنها نموذج ناجح للحكم والإدارة، وأنها بالفعل "حقيقة الوحدة" التي تنادي بها الكاتبة.
بقلم محمد ابراهيم أحمد
كاتب وباحث صومالي مستقل