فرماجو: صراع بين الشعبية والواقع السياسي المرير

 


في المشهد السياسي الصومالي الذي يتسم بالتعقيد والتناقضات، يبرز اسم الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو كشخصية محورية. تركت بصمة لا تُنسى في ذاكرة الكثيرين، فكانت فترة حكمه محفورة في أذهانهم بلقب "رئيس الشعب" أو "الرئيس الوطني"حيث كان الرئيس فرماجو يتمتع بشعبية جارفة لم يحظ بها رئيس صومالي منذ زمن طويل، شعبية بُنيت على  محاربة الفساد، وإعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية، وتعزيز سيادة الدولة. كانت صورته وهو يرتدي الزي العسكري ويخاطب الجنود تلهب مشاعر الصوماليين الذين يتوقون إلى دولة قوية ومنظمة.


كان الرئيس فرماجو يمثل أملاً لجيل جديد من الشباب الصومالي الذي سئم من الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية. كانوا يرون فيه القائد القادر على انتشال البلاد من براثن الفوضى والعودة بها إلى مجدها السابق.

ولكن، على الرغم من هذه الشعبية الجارفة، فإن واقع السياسة الصومالية يحمل في طياته معادلات صعبة،  يصطدم طموح الرئيس  بمجموعة من العوائق السياسية التي تجعل من إعادة انتخابه مهمة شبه مستحيلة بسبب طبيعة النظام السياسي الصومالي الذي يعتمد على المحاصصة القبلية والتحالفات المعقدة.

كانت أبرز التحديات التي واجهت فرماجو في فترة حكمه هي علاقته المتوترة مع قادة الأقاليم الفيدرالية. ففي نظام سياسي يعتمد على التوافق بين المركز والأقاليم، أدت سياسات فرماجو المركزية إلى توترات كبيرة مع رؤساء الولايات، الذين رأوا في توجهاته محاولة للسيطرة على مقدراتهم وتقليص نفوذهم. هذا التوتر لم يكن مجرد خلافات سياسية عابرة، بل تحول إلى صراع نفوذ أثر على استقرار البلاد وأبطأ عجلة التنمية.

كما أن القوى السياسية الأخرى، رأت في فرماجو تهديدًا لمصالحها،ومن الشبه المؤكد أن ستتحالف ضده.ويشعر كثيرون من هؤلاء  بأن بقاءه في السلطة قد يؤدي إلى إعادة هيكلة النظام السياسي بما لا يتناسب مع مصالحهم القبلية والشخصية. هذه التحالفات، التي تجمع بين شخصيات سياسية مؤثرة ورموزقبلية،  تعمل في الخفاء والعلن لعرقلة إعادة انتخابه وإضعاف موقفه.

بالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الانتخابي الصومالي غير المباشر، الذي يعتمد على انتخاب النواب من قبل وفود قبلية، يجعل من الفوز بالرئاسة مهمة تتطلب أكثر من مجرد شعبية. فالرئيس لا يُنتخب بأصوات الشعب، بل بأصوات ممثليه في البرلمان، وهؤلاء النواب عادة ما يكونون جزءًا من تحالفات سياسية وقبلية معقدة. ، لأن المعركة لا تكون في الشوارع، بل في دهاليز السياسة وغرف الصفقات.

واليوم، بينما يعيش فرماجو بعيدًا عن أضواء السلطة، ويستعد لبدء حملته الانتخابية  تظل صورته حاضرة في أذهان الكثيرين كـ "الرئيس الذي أحبه الشعب وتبقى حكايته صراعًا مريرًا بين طموحاته في بناء دولة قوية وبين واقع سياسي مليء بالصراعات والتحالفات، واقع لا يرحم ولا يعترف إلا بمن يتقن فن اللعبة السياسية، حتى لو كانت على حساب آمال وتطلعات ملايين الصوماليين.


بقلم : محمد إبراهيم أحمد

كاتب وباحث صومالي مستقل



أحدث أقدم