صورة “الصومالي” في مخيلة الإعلام المصري!


من الصعوبة أن تحرّر السذّج من الأغلال التي يبجّلونها (فولتير)،،! من الصعوبة تحرير الإعلام المصري الشعبوي – الأكثر صخباً في شرقنا – من أغلاله الفكرية وقولبته للشعوب الأخرى، لا يوجد تعريف لـ”الشعبوية” فهي في الأصل حركة زراعية بإيحاءات اشتراكية وتعني تحريك المشاعر غير العقلانية لدى الجماهير وتوجيهها ضد النخب أو الآخر!، يستخدمون لغة “نحنا الملائكة” والآخر هو الشيطان وعلى كاهله تقع جميع التشبيهات والأمثلة السلبية.

اللغة السوقية التي تسود مفرداتهم غير مبررة! أخطر ما في هذه الجوقة من الأبواق سلوكهم الشبيه بـ “حاطب الليل ” فهم لا يرون ما يفعلونه ومدى الأسى الذي يسببونه، ولا تكاد تجد فيهم إنسان رشيد، فهم كالدببة البنية ماهرة في إهاجة خلايا النحل في نفوس القراء، لا تتورم وجوههم من كثرة اللسعات، فهم مع انقلاب تركيا، وشبيحة سوريا، والحشد الشيعي العراقي وحفتر ليبيا، بإختصار مع كل تيار ناعق ضد الأوطان!، يغضبون على قناة الجزيرة فيلمزون ويغمزون من الشيخة موزة والدة أمير قطر الحالي، ينقطع الزر السعودي فيطلبون مقاطعة العمرة والحج!.

الأدهى من ذلك كله حالة “التندر الفج من الصومال” والمستمرة منذ عقدين، تجد أحدهم – بلا مبالغة – يكتب مقالة عن النمل الأحمر في صعيد مصر، أو ناميبيا فيستشهد بالصومال والصوملة والتصومل والصمللة! كأنه لا توجد في عشوائياتهم وغرائبهم ما يستحق الإستشهاد به.

مشهد اقتران الصومال بالسوء في المخيلة المصرية لا يبعد تاريخياً عن تلك الحالة التي سادت الشعر العربي “شعرنة الأسود الزنجي” وتحويله الى موضوع شعري يتم استحضاره بالوصف والتشبيه مثل الجمل والناقة – جحا –، بهذه الطريقة في العنف الناعم والمُلطّف تأتّى للخطاب الشعري العربي سَحْق الآخر الأسود ومَحْقُه وإلغاؤه وإخضاعه، وإدانة الهيمنة عليه فضلاً عن تحقيره والإستهزاء به!” تمثيلات الآخر: صورة السود في المتخيل العربي الوسيط”.

هذه النظرة الاستعلائية هي نظرتهم – نفسها – تجاه النوبة والسودان والشعوب السمراء، ومن يتابع أفلامهم سيرى الفرعونية الكامنة في الإعلام المصري حين يتعلق الأمر بموسى الأسمر!، إنَّ صورة الصومالي في مخيلة الإعلام المصري تحتاج إلى أسئلة عاجلة، وتفكيك علاجي لما وراء هذا الخطاب الموغل بالتنميط والإزدراء ، هل هي عنصرية بحتة؟ أم كسل صحفي، ومجرد استعارة الشائع والمتدوال من التشبيهات؟ أم هي حالة انحطاط عام يعتري الشرق كله؟!.

كتبت قبل فترة عن الخلل اللاإنساني في منظومة الإستشهادات العربية!، سخرية كامنة ضد الأشقاء الذين يسقطون في غيابة الجبّ، الحرب الأهلية والجوع والجفاف والهجرة القسرية جميعها مأسي إنسانية تستحق التضامن وليس المعايره، الإعلام المصري الشعبوي ليس الوحيد، فهناك مثال آخر على العقلية العربية الشوفينية!، انظر التشبيه السوري بالأسود في الإعلام اللبناني، “هل زرتنا قبل قدوم السوريين؟!، كنتَ سترى جمال بيروت”! وغيرها من الموضوعات المشابه التي تجدونها في صحفهم وتغريداتهم الصفراء، حالة من الدناءة المعرفية يسحق فيها صاحب القلم أخيه لمجرد سقوط الأخ في سنة التدوال الكونية {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.

المثقف الصومالي لم ولن تعجبه تلك الصورة التي ينشرها الإعلام المصري عن مفرداته الوطنية، هناك محاولات جادّة لإصلاح هذا الخلل بدون التهجم على الشعب المصري الشقيق، والذي يعاني بدوره من طبقة المماليك الإعلامية! انتشرت مقالات تتحدث عن ضرورة احترام “الصوملة” وخاصة بعد نجاح الصومال في التقاط صورة تُجمِعُ ثلاث رؤوساء صوماليين منتخب وسابق وأسبق.

مؤخراً حدثت عاصفة من التعليقات على مقال ركيك لدكتور مصري! مقيم في السعودية، ربط الصومال بموضوع اجتماعي يخص السعودية (التسوُّل) تحدَّث فيه بإزدراء عن عواصم الصومال التي لم يزرها، متجاهلاً الطبوغرافية النفسية الصومالية التي تترفع عن التسوّل ومدّ اليد.

الردود الصومالية كانت مثيرة للإعجاب في قوة رسالتها: “لن نتحمل الشعبوية الإعلامية” ويمكن أن نفعل المثل أي نقابل الشعبوية بطريقة شعبوية تُثير الكراهية بين شعبين مسلمين، تمامًا كما حدث مع الإعلام الجزائري في أزمة كرة القدم الشهيرة؟!.
السؤال الذي يطرحه الشباب : ماذا لو أشعلنا عيدان الثقاب التي في داخلنا وأحرقنا صحافة عكاشة؟!، ماذا لو تبادلنا الكراهية مع الإعلام المصري الشعبوي الذي يعيش في غابةٍ مِن أوراق الخريف البائسة، ومع ذلك يرمي أعواد الثقاب على مفردتنا العزيزة “الصومال” بلا ملل ولا كلل في غباء منقطع النظير!.

فيما مضى كان في فمنا ماء وحياء وغفلة عن ما يحاك ضدنا من ألسنة السوء، هذا الزمان انقضى كالعام وولّى، لقد ” لفظنا الماء وفي قلمي سجيل”، وحان وقت عقد تلك الأفواه .

وأختم بهذه القطعة الأدبية :
“أنا راعي أسمر من أندلس الجنوب
فقدت غرناطتي في حروبي الداخلية
بكيت على الحمراء وقرطبة شيخ مطر
وعواصم كالزواهر والكواكب
أرتحلت الى موسم الشمال بعد أن حل الجفاف
لم أسرق يوما ولم أتسول وكبريائي فوق ما يقولون
ساقني قدري الخيميائي الى مصر المبكيات المضحكات
فوجدت قوماً صحافتهم من لعب
جُعت فسخروا مني
يملكون سحر البيان بلا أدب
ونملك حق الرد بأدب
والله المستعان على من ظلمنا


بقلم/ محمد ضاهر الزيلعي،، مؤرخ ومدوّن صومالي
Next Post Previous Post