ما لم يعد مجرد حلم : بيت ثقافيّ، لإخوتي مجانين الشعر والأدب في الصومال


في شهر مايو لـ2017، استلمتُ رسالة على دايركت الانستجرام؛ حدثٌ يتكرر كل يوم. لكنها لم تكن مجرد رسالة عابرة، نُقابلها بكلمات الشكر والامتنان.

أذكرُ الأمس وكأنه اليوم، قرأتُ محتوى الرسالة، وكان من مُتابعة لأول مرة يمرّ اسم حسابها أمامي. لم تكن قد قالت الكثير غير: محظوظة أنتِ، بمقدوركِ الحصول على الكتب العربية، وقراءتها، ولديكم معارض تُثبتُ هويتكم العربية، وتعزز المحتوى العربي. اندهشتُ يومها من لغتها العربية الجميلة، وسلامة كلماتها، فسألتها عن بلدها، لأصعق،دهشة.

كنتُ أظن أن الشذرات التي أطلقها وأكتبها لا يلتفت لها إلا قراء معينين في دول محددة. نبض، واستيقظ في داخلي حلم صغير، كنتُ قد همّشتهُ ونسيته، آن ذكرت اسم بلادها. لطالما حلمتُ في صغري وحتى كبرت أن أفعل كذا وكذا، في هذه البلدة تحديدا. كيف يحدث أن تتدخل يد خفيّة لتصنع المعجزات؟
فطبعتُ رسالة لها أقول لها أن ثمّة حلم قابعٌ فيني، يخصّكِ، ولم أنتظر يوما أن تُرسلك لي السماء، ليحدث كل هذا..
نَجاح، صديقتي الشاعرة الصومالية، الفتاة التي كتبت لي الرسالة على الدايركت، الفتاة التي أرسلتها لي السماء؛ لأخلق حُلمي، وأهب له مليون جناح.

الحلمُ الذي حكيتهُ لنجاح: نجاح، حلمتُ أن أبني مكتبة، في قرية من قرى الصومال، وأن يُشارك فيها كل قرّاء العالم، وتصبح مزارا سياحيا ثقافيا، وينولدُ فيها الشّعر كل يوم. نجاح أعدك سأبني مكتبة في الصومال، في هرجيسا( صومالاند) حيث تسكنين، وأهبها لكِ، ولتكون هي مشروعي الخالد، ورسالتي الوجوديّة.

أعدك لن أملأ وحدي هذه المكتبة بالكتب؛ ستكون أشبه بالمشروع، الإنساني التطوعي، وسيملأ قراء العالم أجمع، المكان بالكتب العربية وغيرها. لن تشعري يوما ولن يشعر أي قارئ صوماليّ بالنقص والتهميش. أعدك، سأُعيد تعريف الصومال من جديد، بعيدا عن الحروب، بعيدا عن الفقر والمجاعة، بعيدا عن كل شيء، سأحقق مطلبي الإنساني الذي آمنتُ به، وما يجمعُ الأفراد ويوحدهم إلا القراءة والشّعر/ الفن.

يومها ظنّت نجاح أنه مجرد تفريغ لحلمٍ سكن روحي. لم أتنازل عن تحقيقه، والسعي فيه، فعلتُ الكثير، وحاربتُ كل عتبة وقفت في طريقي، وأقسمتُ أن أفعلها حتى أتمكن من النوم براحة، وتحقيق رسالتي. مضى الكثير حتى ينخلق هذا الحلم ويصيرُ واقعا، ملموسا. 

حدث الكثير الذي لو ذكرتهُ لن ينتهي، كل ما أريدُ قوله أن الحلم قد صار واقعا وتحقق.
هذه الصور هي للمكان، للحلم، للحكاية التي أثق أنها ستروى طويلا، لم يعد الحلم مكتبة، لقد حولناها لبيت ثقافي ( مركز ثقافي يجمع الفنون): مكتبة تنتظر من قارئ يؤمن أن القراءة رسالة توحيد بين الجميع باختلاف كل شيء، أن يتبرع بكتبه. غرفة الفنون: لنشر الدهشة المصوٍرة، المكتوبة بريشة فنان، أو بعدسته. غرفة لتحبيب الأطفال في القراءة، غرفة الأمسيات والمحاضرات.كبُر الحلم واتّسع..
ولأنني عاهدتُ صديقتي نجاح أن أهبها المكان، فقط طلبتُ منها أن تعتني هي بالتجهيزات، وأُشرفُ أنا على الباقي.

هناك المزيد من التفاصيل اللاحقة عن المشروع، كل ما أريدُ قوله الآن: أن الحلم قد صار حقيقة، وهناك بيت ثقافيّ، لإخوتي مجانين الشعر والأدب في الصومال، وللمؤمنين بالحب والإنسانية والفن في هذا العالم.. بيت يحق للجميع أن يستريحوا فيه، بيت أؤمن أنكم لن تهجروه، وسيمتلئ بالكتبِ، واللوحات، بفضلكم.
*مازال العمل جاريا في المكان..
*للحكاية بقية، وثمّة مفاجآت لم أكشفها بعد.. خلال الأيام القادمة سأكشفها.

بقلم عائشة سليمان 
أديبة من سلطنة عمان



Next Post Previous Post