لمحات من حياة الشعب الصومالي


المجتمع الصومالي

إن الزائر للجمهورية الصومالية لابد أن يضع نصب عينيه أولاً حقيقة واضحة عن شعب الجمهورية وهى أن هذا الشعب الكريم له تراث ثقافي يفخر به منذ أمد طويل، و أحيانا تبدو هذه الحقيقة متناقضة مع ما يتسم به الشعب من بساطة في حياتهم و خاصة في مناطق البادية. والحقيقة أن الصومال، وهى إحدى الأمم الأفريقية التي تجاور جغرافيا شبه جزيرة العرب، قد كانت و ما زالت على صلة وثيقة مع المراكز الإسلامية و الثقافية منذ أكثر من ألف عام، فالشعب الصومالي كله شعب مسلم و عريق في الإسلام إذ تمتد الإسلامية فيه إلي عهد الرواد المسلمين الأوائل الذين هاجروا إلي بلاد الصومال قبل هجرة الرسول إلي المدينة المنورة.
و قد استعمل الشعب الصومالي اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم و الصلاة، و للاتصال بالعالم الخارجي، وفي تدوين المراسلات، و حفظ المسجلات لأكثر من ألف عام.
و رغم أن اللغة الصومالية لم تكتب بعد إلا أنها متقدمة جداً و لها عدد وافر من الكلمات، كما أن في اللغة الصومالية آداباً عظيمة قيمة غير مدونة يتناقلها الناس من فم إلي فم، و قد استودعوها ذاكراتهم و قلوبهم، و يمكننا بسهولة تامة أن تقارن هذه الآداب العظيمة بآداب الأمم الأخرى، و أي إنسان له إتصال وثيق بعادات الصوماليين في داخل بادية الصومال فإنه سيجد حتما أن أغلب العادات لها مغزى اجتماعي عميق.
و قد لعب النظام القبلي دوراً هاماً قبل قيام الدولة الحديثة و المجتمع الجديد كما كان عليه الحال في السعودية و اليمن و السودان و غيرها من الأمم العربية و الأفريقية. فقد كانت القبيلة تمثل دولة صغيرة ذات سيادة تتولي الدفاع عن نفسها و إبرام المعاهدات، و يمكننا أن نقرر دون حاجة إلي التفاصيل المميتة أن الصفة البارزة أنها كانت تحكم حكماً ديموقراطياً و أنها كانت في الحقيقة دولة ذات رفاهية تبعاً للمبدأ الذي أصبح قولاً مأثورأًو هو أن ((القبيلة الطيبة لا يوجد فيها أحد جائع إذا لم يكن الجميع جائعين))
و الآن مع قيام الدولة الصومالية و تقوية الوحدة الوطنية فإن الصوماليين يعملون بكل جهد لنبذ نظام القبيلة المعرقل للنهوض و التقدم.
و فيما يلي دراسة سريعة لنظام المجتمع الصومالي و خصائصه و لغته و عقائده و عاداته و تقاليده.

خصائص المجتمع

يتكون المجتمع الصومالي كغيره من المجتمعات الرعوية للعناصر الحامية في بداية حياتها من عدة قبائل مختلفة الأسماء و لكنها متفقة من حيث أنها تمثل كتلة واحدة لعنصر واحد هو العنصر الحامي، و كل قبيلة تنقسم إلي بطون، و البطون إلي أفخاذ، و الأفخاذ إلي أسر و القبائل الرئيسية هى الطاروديون و الاسحاقيون و السماليون و الرحوينيون كما ورد في كتاب ((بغية الآمال في تاريخ الصومال)) للشريف العيدروس.
و هذه الكتلة الكبيرة من الصوماليين بغض النظر عن أسماء القبائل أو المجموعات فإنها جميعاً ذات خصائص جنسية تختلف اختلافاً جوهرياً عن جيرانها من سكان أثيوبيا و سكان كينيا. و الصومالي بصفة عامة فارغ الطول، ((طول القامة بالبوصة نحو 68)) حسن القوام، كامل النمو،ذو جبهة معتدلة مستديرة كالعناصر الحامية تماماً (عرض الجمجمة 75) و ذو عينين نجلاوين غائرتين، و أنف قوقازي مستقيم، و فم منتظم رقيق، و شفاه غيرغليظة، و شعر مجعد قليلاً، و يتدرج لون البشرة من السمرة الفاتحة إلي البني الداكن نوعاً.
و هو سريع الحركة، شديد البأس، قوى الشكيمة، يكبر الشجاعة و الإقدام و الجود و الكرم، و هو تقى ورع و من أشد المسلمين استمساكاً بالعروة الوثقى، يأخذ بالإسلام و يهتدي بهديه، و هو رقيق الشعور شديد الحس يتأثير بما يراه أو يسمعه تأثراً عميقاً، يحافظ على ما ورثه من آبائه و أجداده من عادات و تقاليد و يعني بحفظ نسبه و يلقنه أبناءه ليباهوا به.

أثر البيئة في المجتمع

للظروف الطبيعية السائدة في شبه جزيرة الصومال تأثير كبير في حياة المجتمع و تشكيل ألوان نشاطه، فالارتفاع المستمر لدرجة الحرارة مع غزارة الأمطار أوجدت صورة نباتية كثيفة في أقصى الجنوب فنما في السكان عن طريق الانتخاب الطبيعي قوى وخصائص نفسية تلاؤمية معينة، فجعلته لحياة الصيد والقنص وأخطار الغابات والأحراش مراقباً ملاحظاً، وهو حاد البصر مرهف السمع، سريع الحركة، دئماً في ترقب ويقظة للأخطار، وبرغم ضآلته فإن له قوى فائقة في التحمل والجلد لأن عمله اليومي يتوقف على هذه الصفات.
وفي أراضي المراعي يكون الترحال والهجرة من أشد عوامل الانتخاب الطبيعي فتنعكس قوة الحياة اليومية في صرامة وجهامة السكان وحياة الاعتماد على النفس والعزلة المستقلة نمت فيه الفردية العارمة والعناد كما كان لرتابة الطبيعة وحرية الحياة حركت فيهم أقصى حالات التجلي أو أدنى حالات الأسى.
والذبذبات المناخية والمجاعات الراجعة جعلتهم قوماً قدرين كما علمتهم حياة الترحال الكرم والأمانة والوفاء.
وفي أرض الصحراء ومشكلاتها الاقتصادية نجد أن المركب الاجتماعي هو من مظاهر التكامل مع الطبيعة، والمركب الأخلاقي يتكون من عناصر هى الحرية، والشجاعة والكرامة والأمانة وشدة التدين.
فحياة الترحال تقوى من روح الاستقلال والحرية، وحياة ساكن الأراضي للجافة الصحراوية تمتاز بعنف المقاومة والنضال ضد الغزو الأجنبي، فالشجاعة من خصائص سكان الصحارى فهى جزء من الخبز اليومي ويغذيها الصبر على المكاره وقوة الاحتمال.
والحرية مع الشجاعة والعزلة تظهر فيه صفة النفة ونوعاً من النعرة والغرور، ومن العزة نوعاً من الكبرياء والاستعلاء، ومن الشجاعة نوعاً من الثائر والانتقام.
والتعاون الجماعي أمر لابد منه بسبب تخلخل الأمطار بين مكان وآخر وبين فصل وآخر، وظهور نتائجهه على الصورة النباتية والمركب الحيواني، فأصبح العمل الجماعي وسيلة لتنظيم الاستغلال للمرعى والموارد المائية.
وطبيعة الترحال جعلت الملكية جعلت الملكية في المجتمع الصومالي محدودة فالأوعية الخشبية أو النباتية بدلا من القابلة للكسر، و الحصر و السجاجيد تحل محل الكراسي، و القرب محل الأوعية و النيران محل الموقد..إلخ.
و ملكية الحيوان قوية جداً مما يؤدي إلي فوارق خيالية بين الأخ و أخيه. أما المراعي فلا ملكية فيها، فعلي حين تجد ملكية الحيوان فردية تكون ملكية المراعي حيث توجد ملكية جماعية شائعة داخل العشيرة.

أثر العقيدة في المجتمع

بدأ الصوماليون حياتهم الدينية كغيرهم من سائر أمم العالم القديم في البحث عن عقائدهم فيما حولهم من مظاهر الطبيعة، فاستحبوا بعضها فقدسوه و ألهوه و كرهوا البعض الآخر فنبذوه و استعبدوه.
و مما لا شك فيه أن الصوماليين في بداية حياتهم كانوا وثنيين و من المحتمل أن تكون الوثنية الصومالية شبيهة بمثيلتها في البلاد العربية و خاصة بلاد اليمن بحكم الصلات البشرية و العلاقات القائمة بينهما منذ فجر التاريخ. فالقوى العينية التي كان يرى فيها الخير و الشر و كذلك ضوء القمر كانت مقدسة لدى الشعب اليمني كما قدسها الصوماليون أيضاً، و كانت السماء من أقدس آلهة الصوماليين و يسمونها Uacha- Ehha كما كان للصوماليين معتقدات أخرى فكانوا يعتبرون أن الشمس أذن السماء و المطر إحدى هدايا الله لعباده حتى أن النجوم و البدر كانت من المقدسات لدى بعض القبائل الصومالية.
و كان بعض الصوماليين يقدس الجن لاعتقاده أن ذلك يمنع عنه الأرواح الشريرة، و كان لرئيس القبيلة مركز القداسة الإلهية فهو المكلف بتقديم القرابين و تفسير الطقوس الدينية، و هو الذي يقدم للآلهة التضحيات لحفظ كيان الأسرة.
و كان هناك عدد من رجال الدين أطلق عليهم اسم الاستراجوني و السحرة و كانت لهم منزلة كبرى في نفوس الصوماليين، و كان لبعض القبائل شدة الاعتقاد في أعمال هؤلاء السحرة حتى ألهوهم أحياناً.
و حينما بدأ تيار الإسلام يتجه نحو مواني زيلع وبربره مع الرواد العرب و التجار و المهاجرين، وجد في أول الأمر مقاومة شديدة من جماعة الاستراجوني و السحرة، لأن الدين الجديد يدعو إلي عبادة الله وحده و الإخاء بين الناس و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أن الحكم وفق الشريعة الإسلامية مما جعل رؤساء القبائل الذين كانوا بمثابة آلهة و كهان معاً يقاومون النظام الجديد، و لكن لم تستمر مقاومتهم طويلا فقد أحسوا أنهم كانوا في ضلال كبير، و أن الدين الجديد يحمل الخير لهم و لوطنهم، و ينظم حياتهم و يدعو إلي العمل الصالح، فأسرع رؤساء القبائل و من معهم إلي اعتناق الدين الإسلامي في قوة و إيمان، و من كان قد أخذ بالمسيحية خلال فترة الحروب العربية الحبشية، أو هؤلاء الذين يسكنون على الطريق السهل بين اليمن و الحبشة في الأراضي الصومالية أثناء امتداد الحركة الدينية المسيحية من اليمن إلي الحبشة، هؤلاء و غيرهم دخلوا في الإسلام الحنيف. حتى أن رؤساء القبائل و العامة قد اتجهوا في مجموعات ضخمة إلي اليمن و غيرها من البلاد الإسلامية في شبه جزيرة العرب للاستزادة من المعرفة بالدين الجديد و حفظ القرآن الكريم و تعاليم الرسول الكريم و أصحابه. و باتساع الرقعة الإسلامية ازداد عدد الوافدين إلي الصومال لنشر الدعوة الإسلامية، و هؤلاء الدعاة من الحجاز و نجد و اليمن و مصر و غيرها، قد وجدوا كل استجابة و تأييد للدعوة الإسلامية، و ما هى إلا فترة وجيزة حتى أصبح من الصوماليين أنفسهم من له دراية بالدين وفقه بالشريعة الإسلامية و كانوا أشد تمسكاً بمبادىء الإسلام من العرب أنفسهم.
و عندما استقرت أول عائلات مهاجرة إلي الصومال في القرون الأولى للهجرة حدث تنظيم اجتماعي جديد على أسس إسلامية في المعاملات و التجارة، و كان أقواها أثراً و أبعدها مدى هو تنظيم العلاقة الاجتماعية بين الرؤساء و الشعب و منح المرأة حقوقها الكاملة.
و من أخبار القرون الأولى للهجرة نسمع عن وجود نظام فدرالي بين العرب و الصوماليين في مقدشوة، فقد كان المجتمع صغيراً في عدده، و الأغلبية من المسلمين و كان لمدينة مقدشوة مجلس من الأشراف و الأعيان للنظر في أمور البلاد (مجلس الشورى) و كان أعضاء هذا المجلس يسمون بالمتقدمين، و لهذا الانسجام الجديد بين الحاكم و المحكوم تقدر المعمار، واتسعت المدينة و كثر سكانها، و أخذت المساكن الحجرية تحل محل الأكواخ الخشبية.
و بتطور الحياة المدنية و اتساعها واستكمالها لنهضتها انحل عهد الحياة الإدارية الفيدرالية في المجتمع الإسلامي الصومالي بأن تولى أمور البلاد حاكم واحد من أبناء البلاد، و بدأ عهد جديد من عهود السلاطين الصوماليين، و اتخذت الحياة الاجتماعية نمطاً جديداً يتسم بالحياة الصومالية الخالصة متأثراً في كافة مظاهره بالثقافة و الحضارة السامية الإسلامية.

الإسلام و المجتمع

الشعب الصومالي من أشد شعوب العالم الإسلامي تدينا و صلاة و إيمانا بالله و بوطنه و إخوانه و كل من يتصل بالصوماليين يعرف ما للدين في حياتهم من أهمية، فهم في أحزانهم و متاعبهم ينظرون إلي الله، فيمدهم إيمانهم هذا بقوة تشعرهم بالراحة النفسية و القوة في الحياة. و في فترات الرخاء و السعادة و الأفراح، تمتلىء نفوسهم بالشكر و الشعور بأنه موجود في كل مكان و زمان. إن عقيدة الإسلام قوة و حدوية ربطت بين الصوماليين و دعمت من أخويتهم و تعاونهم لما فيه صالحهم و صالح الأمة الإسلامية، فكأن الدين عامل من العوامل الكبرى في الوجود الصومالي كوحدة قائمة بذاتها في شرق أفريقيا.
و الشعب الصومالي شعب مسلم سني، يتبعون المذهب الشافعي، و يحكم فيهم القضاة في مثل قضايا الطلاق و الميراث أو أي مسائل أخرى تتعلق بالدين.
و في وجود مدارس قرآنية لتعليم الصغار و تحفيظهم القرأن باللغة العربية و يدرب معلمو هذه المدارس في المعاهد القرآنية و من أكبرها: معهد الدراسات الإسلامية، و معهد برعو الديني، و كلاهما على غرار المعاهد الدينية بالجمهورية العربية المتحدة، و يقوم بالتدريس بها أساتذة من المعلمين العرب و الصوماليين و علماء البعثة الأزهرية بالصومال و على عاتقهم توضيح التعاليم الإسلامية و الفقة الإسلامي و تفسير السيرة و أخبار الإسلام بالإضافة إلي الوعظ و الإرشاد في المساجد و المحافل الإسلامية. و يوجد اتجاهان مميزان للإسلام يمكن ملاحظتها بوضوح في ممارسة و هو الاتجاه الذي يتبعه القضاة في أحكامهم و في تأدية الصلاة في المساجد و ذلك يتمشى في يسر مع نظام الإسلام ذلك الدين الحنيف اللين الذي يتفق في كل أموره مع مطالب المجتمع.
أما الاتجاه الثاني فهو ما تتبعه الطرق الصوفية و هذه الناحية الصوفية في الدين تتركز في حب الله من أجل الله و ذلك وسيلة لممارسة الحياة الروحية للحصول على السعادة الدائمة في الدنيا و الآخرة و ذلك عن طريق الورع. و تزدهر الطرق الصوفية في الصومال و في كل بلد به جماعات صومالية تدين بالإسلام.
و أنشأ هذه الطرق الصوفية شيوخ مسلمون، و قد سميت بالطرق لأنها الطريق إلي الجنة، و تعتمد الطرق الصوفية على الصلة المباشرة بالله عن طريق الورع و الحياة الطيبة و التأمل في ملكوت الله.
و يعتقد المتصوفون أن الشخص يمكن أن يصل إلي حد القداسة في الحياة و التصوف له معنى عميق في حياة كثير من الصوماليين. و توجد بالبلاد ثلاث طرق صوفية رئيسية هى القادرية و الصالحية و الأحمدية، و أوجه التميز بين طريقة و أخرى في اختلاف بسيط للغاية في الزهد و التصوف. <ref> راجع الجزء الأول الصومال قديماً وحديثاً ...للمؤلف </ref>

اللغة الصومالية و آدابها

الأدب الشامل الرقيق يتطلب مجموعة كلمات مختلفة و مفردات لغوية كثيرة، و لذلك فليس غريباً أن تكون اللغة الصومالية إحدى اللغات الغنية الواسعة التي تلائم احتياجات الحياة.
و اللغة الصومالية لغة معقدة لا يتعلمها أي شخص ما لم يتخذها كلغة أم، ففيها طبقتان واضحتان من المفردات اللغوية تستعمل إحداهما في الحديث الدارج بينما تقتصر الأخرى على الأشعار و الأمثال و هذه المجموعة الأخيرة من المفردات اللغوية التي يمكن أن يطلق عليها الأدب الصومالي تستخدم كلمات كثيرة مهجورة لقدمها كما أن القصائد الشعرية صيغت من كلمات من أصل صومالي و بعضها استعيرت من اللغة العربية لقرب الثقافتين من عقل الشاعر، و مع أن اللغة الصومالية المختصة بالعلوم و الإدارة لا تستعمل في الحديث اليومي فإن الشعر الصومالي الكلاسيكي يستخدم كلا طبقتي اللغة.
كثير من الكلمات الصومالية لها طبيعة وصفية تسترعي النظر، و غالباً ما تتضمن الكلمة الوحدة معنى كبير ( لا يعبر عنه في اللغات الأخرى إلا ببضع كلمات)، فمثلاً كلمة هيل Hhil (معناها الإحساس البارالذي يمنع الفرد من مخالفة قواعده) الإحساس الذي يضفي على صاحبه احتراماً من نوعا خاص هذا الاحترام يتعدى ذلك الشخص إلي أقاربه فيحترمونه بموجب القرابة التي يحملونها لذلك الشخص .
و إذا ما نظرنا إلي عواطف الشعب الصومالي وجدنا فروقا و اختلافا في نوازعهم و عواطفهم فلهم أسلوبهم الخاص في الصبر و العفو و هناك نموذج لا يرجع إلي التقوى و الورع و الإحساس و لكن يرجع إلي مجرد عدم قدرة الفرد على الانتقام.
و في الوقت الحديث حينما يلزم الأمران تستحدث كلمات جديدة لتقابل الحالات الجديدة في مجالات السياسية و العلوم و الفنون نجد أن الصوماليين قد اتجهوا إلي الكلمات القديمة للاستعمال المادي. و اللغة الصومالية تنتمي إلي هذا النوع من الابتداع و الاختراع لأنها تحتوى على إمكانيات لا حد لها من إنشاء الكلمات و صوغها و قد أنشئت كلمات عديدة ذات كفاءة عظيمة من الأصوات القديمة من ذلك كلمة رئيس الدولة في اللغة الصومالية هى ((فرح وين)) أي ((الزعيم العظيم)) و مجلس الأمن في الأمم المتحدة ((هو جوديدا نباخدا))، أي ((مجلس السلام))، و الأسلحة النووية ((هويكاها لستا)) أي ((الأسلحة ذات الخطر الشديد))، و تعاطي المخدرات يسمي ((صوحد)) أي (ليجعل الشخص ينام) و مساواة في القانون أي ديمقراطية ((اسكويد)).إلخ.
و قد قامت الإذاعة بدور هام في تكوين الكلمات الجديدة، و المذيعون يفخرون بأنهم لا يستعملون كلمات مستعارة أجنبية عدا القرآن الكريم و دائماً يبتكرون كلمات صومالية تتمشى مع حاجات نقل الأخبار و تبليغها.
هؤلاء الرجال هم الرواد الحقيقيون في مجال اللغة، و هم لا يعملون في محطات الإذاعة المحلية بمقدشوة و هرجيسة فحسب بل و في نيروبي و جيبوتي و القاهرة بل و أكثر من ذلك في لندن و موسكو و غيرها حيث تذاع برامج باللغة الصومالية.
و اللغة الصومالية لها كيان مبني على قواعد نحوية راقية واضحة، غير أنه من الممكن تمييز الكلمات بنبرة الصوت و طريقة النطق فقط فالوالد أفان بالتشديد على المقطع الأول. و البنت أفان بالتشديد على المقطع الثاني و المقاطع التي تنطق بالتفخيم و تشديد الحرف، هى من الخصائص الواضحة في الكلام الصومالي.
و الشعب الصومالي كله يتحدث باللغة الصومالية، و هذا لا يمنع من وجود لهجات ثلاث في البلاد، و لكن كلها من أصل واحد، و اللهجات الثلاث هى لهجة بنادر أو السواحلية الصومالية و اللهجة الصومالية العامة، فلهجة بنادر أو السواحلية الصومالية هى كلام ((حديث)) أهل منطقة بنادر بصفة خاصة، و الصومالية العامة هى لهجة أكثرية الشعب، و تستعمل في الإذاعة و الخطابة، و هى وسيلة المحادثة في كافة المدن الصومالية و على أية حال فإن لهجة بنادر - و الصومالية العامة لهجتان متبادلتان واضحتان جليتان لا التباس فيهما، و يسهل تبادلهما، أما لهجة رحانوين فلا يمكن فهمها بسرعة لمن يتكلمون اللهجتين الاخرتين، و على أية حال فإن الطابع العام في اللهجات هو التقارب الشديد، و الصفة البارزة، هى أن للشعب لهجة شائعة في كل مكان.
وتحتوي اللغة الصومالية على كثير من الكلمات العربية، ولكنها تنتمي إلى المجموعة الكوشية أساساً، وإن كان بينهما اختلاف بسيط، ويتكلم بهذه اللغة الكوشية جماعات الجالا ونصف الأحباش تقريباً والدناكل والأفار في أرتيريا وفي الصومال الفرنسي.
واللغات في المجموعة الكوشية لها بعض الملامح المشتركة مع لغة البربر والمصريين القدماء، ويعتقد بعض العلماء أن اللغة الصومالية تكونت في الزمن البعيد جزءاً من المجموعة التي تسمى الحامية السامية التي تشمل لغة البربر والمصريين القدماء بالإضافة إلى العربية.
ويرى بعض العلماء أن لغة الجالا ولغة الصوماليين من ناحية تاريخ تسلسل النسب لغتان شقيقتان. وليست اللغة الصومالية باللغة المكتوبة من الناحية الرسمية وربما يبدو غريباً كيف أن مثل هذا الأدب الروائي الكبير لوقت طويل من الصوماليين ظل من غير أن يحول لغتهم إلى لغة مكتوبة، ولكن هناك أسباب طبيعية أدت إلى هذه الحالة.
أولاً:معظم الشعب الصومالي كان شعباً بدوياً واللغة المكتوبة لا تنمو بين الشعوب الدائمة الهجرة كما تنمو في المجتمعات المستقرة المستوطنة.
ثانياً:كانت الحاجة إلى الكتابة قليلة منذ ألف سنة مضت، لأن اللغة العربية كانت تستعمل في كل حاجات الحياة. واللغة العربية لغة الإسلام ( الدين ) استعملها الصوماليون قديماً في الصلاة والتسبيح فكان من الطبيعي أن تستعمل أيضاً في شئون التجارة وفي العلاقات مع الأجانب مثل المعاهدات والاتفاقيات قبل قيام الاستعمار في شبة جزيرة الصومال حتى أن جميع الحكام والسلاطين كانوا لا يوقعون على أي مكتوب إلا بالعربية لدرايتهم بها فهماً وكتابة.
وحينما قام المؤرخ العربي ابن بطوطة بزيارة الصومال في القرن الرابع عشر تأثر بالآداب العربية والمدارس العربية في الصومال، ومازالت اللغة العربية تعلم حتى الآن في البوادي والمدن على حدٍ سواء فينتقل المعلمون في مدارس القرى لتعليم القرآن الكريم والفقه والتشريع الإسلامي، وتوجد كليات متنقلة متجولة تعرف باسم (( هر Hher )) لتزويد المتعلمين بدراسات أعلى في اللغة العربية على يد فقهاء وعلماء متخصصين في العلوم الإسلامية واللغة العربية، وفي المدن الكبرى والصغرى ظهرت مدارس عربية خرجت كثيرين من أبناء الأمة على قدر كبير من الأدب العربي الذي يتضمن قصائد صوفية ذات عمق وتصور شعري بارع، وظهر من الصوماليين معلمون للغة والنحو والأدب، وعلماء وشيوخ في الفقه والتشريع الإسلامي على قدر كبير من المعرفة باللغة العربية، لذا كانت في الماضي والحاضر لغة واسعة الانتشار في داخل الوطن، وفي الاتصال بالعلم الخارجي حتى أصبحت هناك جريدة للدولة تصدر يومياً باللغة العربية بالإضافة إلى البرنامج العربي بالإذاعة.
وقد بذلت محاولات عديدة لكتابة اللغة الصومالية بحروف عربية وبحروف لاتينية وبحروف عثمانية وإلى الآن لم يستقر الرأي على أي صورة يمكن الكتابة بها، وخير حل لهذه المشكلة الحيوية التي هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للدولة الصومالية أن تطرح مسألة اللغة أمام ممثلي الشعب في الجمعية الوطنية لاختيار الحروف التي تكتب بها أو اللغة التي تكتب بها مباشرة.

الشعر و الشعراء

تظهر العبقرية الصومالية في الأدب ولاسيما في الشعر الذي يروى شفاهة باللغة الصومالية، وليس الشعر الصومالي فناً منعزلاً عن الحياة الصومالية، ولكنه ينتمي عن قرب إلى العادات وطرق المعيشة للسكان، فهو شعر متصل حي، ويحفظ المعجبون بالشعر الجيد مؤلفاتهم وينشدونها باستمرار، ويتناقش الصوماليون في الشعر ومستوياته المختلفة. وغالباً ما يكون النقد لاذعاً، وينبذون وينسون الشعر الذي لم يصل إلى المستوى اللائق.
ويتناقل الشعر من جيل إلى جيل مشافهة بين الناس أو الرواة المتخصصين وذلك للشعر ذي المستوى الرفيع، وغالباً ما يبقى مئات من السنين في صدور الناس دون تحريف.
ويمتاز رواة الشعر الصومالي والمنشدون له بقوة الذاكرة فالمنشد الصومالي يمكنه أن يحفظ عن ظهر قلب أي قصيدة يسمعها لأول مرة والحقيقة أن عدد المنشدين كبير جداً، وذاكرتهم قوية لدرجة أنهم قادرون على جعل المستمع مشدوهاً من مساء إلى مساء دون أن يكرروا نفس القصيد أكثر من مرة واحدة. وفي هذا النقل الشفوي للأدب الصومالي تبقى القصائد مطابقة للأصل بشكل يثير الدهشة.
وهذه الأمانة في النقل لا ترجع فقط إلى قوة المنشدين، ولكن كذلك إلى أسلوب الشعر الصومالي وإلى القواعد الشكلية للتأليف التي تجعل الشعر دائماً في حالته الأصلية فإذا حدث أي تغير لا يتمشى مع القواعد الأدبية فسرعان ما يلاحظه المستمعون ويلعنونه في سخرية.
ويقدر الصوماليون شعرهم ويلمون به إلماماً كبيراً، ويرجع بقاء الكثير من هذه القصائد غير المكتوبة إلى التقدير الكبير للشعر بين الصوماليين في كل ميادين الحياة وللمنزلة الهامة التي يشغلها في عقول وقلوب عامة الناس. القصائد التي يمكن تسميتها بالقصائد الكلاسيكية هى أحسن أنواع الشعر، فالقصائد الصومالية أبعد ما يكون عن البساطة حيث أنها معقدة ودقيقة وتتبع قواعد صعبة ويؤلف الشعر بنوع من النغمات تستعمل عندما تنشد القصيدة أو تغنى، ولها نوع من الجرس الموسيقي ومقاييس الامتياز والاتقان شائعة بين الصوماليين رغم أنها تبدو مفهومة تقديرياً أكثر من كونها واضحة كنظام موضوع للقياس الأدبي.

تاريخ الشعر

من الصعب تحديد فترات زمنية لتاريخ الشعر الصومالي لاعتمادنا في تدوينه على الرواة واختلاف آرائهم نحو تاريخ الشعر، ويقسم تاريخ الشعر إلى ثلاث مراحل هي فترة ما قبل ميلاد راغي أجاس، وفترة القرن الحالي حتى الحرب العالمية الثانية، وفترة ما بعد الحرب حتى قيام الجمهورية الصومالية إلى وقتنا هذا.
الفترة الأولى
قليل ما وصل إلينا من الشعر الصومالي فيها لقلة السكان وضعف الروابط بينهم، وقلة ما يملكون من الحيوان الذي قد يكون من الأسباب الأولى في المنازعات القبلية وما ينقصها من نشاط شعري بالإضافة إلى اندثار التاريخ لعدم وجود لغة مكتوبة، وأن ما حفظه الرواة نسى مع طول الزمن فلا يعي الرواة إلا الشعر القريب منهم.
الفترة الثانية
وهى مرحلة النضوج في الشعر وظهور مساجلات تاريخية شعرية بين القبائل مثل حادثة ( هلع طيري) التي أثارها علي شرماركي وتدخل فيها الشعراء أمثال قمان بلحق، سيد محمد عبد الله حسن من ناحية وعلمي حوح وآخرون من ناحية أخرى.
ويقال أن أشعر شعراء هذه الفترة هما راغي أجاس والسيد محمد عبد الله حسن ويختلف الشعراء الصوماليون في تحديد الأسبقية للسيد محمد تارة والبعض ينسبها إلى راغي أجاس وعلى أية حال فالمحظوظ الآن من الشعر للسيد محمد عبد الله حسن أكثر من غيره.
ويمتاز شعر هذه الفترة كما هو الحال في العصر الجاهلي وصدر الإسلام ببلاد العرب بأن الشعر يدورحول حياة القبيلة والكر والفر ومفاخرها ومساوئها ومواقعها البطولية بجانب الهجاء والغزل والحماس ووصف النخيل والجمال والمعارك الحربية والنصح والإرشاد غير أن الشاعر العربي يبدأ قصيدته في العادة بالغزل والنسيب، ولكن الشاعر الصومالي يبدؤها بمدح نفسه ويمتاز شعر هذه الفترة بأن الكلمات الأجنبية والغربيبة نادراً ما تظهر فيه.
الفترة الثالثة
وهي مرحلة الشعر السياسي والحماسي نحو الحرية والاستقلال وتقرير المصير وأصبح في كل ناد وحزب سياسي شعراؤه لإذاعة برامجه وسياسته ومن شعراء النهضة الحديثة فارح غيط علمي، وعلي حسين، وعلي أفيري، وأحمد شيخ دون وموسى جلال وجامع عمر عيسى والأخران من رواة الشعر الصومالي، وللسيد / موسى جلال شعر كثير مترجم إلى الانجليزية وسوف ننشر كتابة بالعربية في وقت قريب بإذن الله. وسنعرض هنا ترجمة موجزة لبعض أنواع الشعر الصومالي على سبيل المثال لا الحصر.

أنواع الشعر الصومالي

الجباي
يعتبر الجباي أرفع أنواع الشعر الصومالي، وهو قصيدة روائية طويلة وفلسفية ومن طراز الشعر القصصي الذي يروي سيرة الأبطال، ونغمته ضخمة، ولا يصاحب الجباي أي موسيقى أو طبل أو تصفيق فالشاعر ينشد الجباي بمفرده. وسرعة الإنشاء بطيئة ووقورة ويمكن مقارنتها ( بالقناع) المتبقيات في التراجيديا اليونانية، لأن التأثير ضد الفخامة المتسعة والإيقاع الفاخر الذي يبعث المؤثرات الدراماتيكية والفكاهية في الجباي ليست فكاهة خفيفة ولكنها شائكة فيها سخرية وكآبة. ويؤلف الجباي في أي موضوع غي أن الحرب من أهم أغراضه وكذلك الدين والنصح والإرشاد والتوفيق بين الجماعات المتشاحنة ليسود السلم والأمان، وفي الوقت الحاضر يستعمل في نقل الرسائل السياسية فهو وسيلة للنقد السياسي والمناظرات.
ويعتبر الزعيم الوطني السيد محمد عبد الله حسن من أعظم الشعراء الصوماليين فقد كان الشعر وسيلته الطبيعية للاتصال بإخوانه ومؤيديه في نضالهم ضد البريطانيين في أوائل القرن الحالي، وغالباً ما كان يعطي تعليماته لاتباعه بطريقة شعرية. وكان لاذعاً في صب هجائه على أعدائه وحلوا شجياً في تمنياته الطيبة لأصدقائه.
وفي الأبيات التالية المقتطفة من إحدى قصائد الجباي للسيد محمد عبد الله حسن نجده يدعو بسلامة أحد أصدقائه الذي كان مسافراً في إحدى الرحلات:
إنك راحل الآن في الطريق الذي يقودك
عبر غابات كثيفة مقبضة بأشجارها المتشابكة
حرارة وجفاف مميت في كل مكان تخطو فيه
لا يصلها نسيم عليل، ولذا أصبح التنفس شاقاً
ويمنحك الله درعاً من رطب الهواء
فيحول بين جسمك والشمس الهوجاء
حيث لهب الريح المحرقة الهائمة
اللاسعة اللافحة للحلق المتألم
لعل الله برحمته يهديك إلى
الشجرة ذات الغصون تحميك وتظلك
سأمنحك الآن على كل جال من حالاتك
ابتهالات من القرآن الكريم لتبارك طريقك
فلا يصيبك الأذى ولا تنزل عليك المحن
فبسلامة الله يمكنك السفر
فإياك أمنح من حولك البركات
فقل يا صديقي بنفسك – الآن – آمين

ويقول شاعر معاصر هو السيد عبد الله موسى الشاعر الصومالي الكبير في جباي تحت عنوان (( توبيخ عجوز لزوجته )) حيث يقص علينا قصة رجل تزوج فتاة جميلة ودفع لها مهراً كبيراً ثم وجد بعد ذلك أن العيوب التي اتهمت بها أكثر خطورة مما كان يظن. فهي سفيهة وعاصية والنصيحة معها أصبحت لا تجدي.
وتعتبر القصيدة بطرقها الموضوع بطريقة غير مباشرة شعراً صومالياً من نوع الجباي وذلك عن طريق المحسنات البديعية. حيث أنه يعتبر من عدم الكياسة وعدم المهارة أن ينغمس الشاعر في الموضوع مباشرة دون وجود محسنات بديعية كمقدمة دراماتيكية تشحذ همة الشاعر في نفس الوقت.
وفي قصيدة السيد عبد الله موسى نجد خصائص شعر الجباي كما سنرى في سردها التالي:
حتى النهر الخالد لا يستطيع اختراقه
خلال الصخور ليحرر التربة الخصبة الراقدة هناك
ولكن الوادي المنتظر والسهل المنبسط
يستقبل النهر منتجاً عشباً جديداً
ويصبح الانسان دون انقطاع لهذا التل البعيد
ولكن هذه الرابية الطينية الصامتة لا تجيب
فهذا الغبي عقله كمسكن خاوي
لا يستوعب شيئاً لأنه مقفل موصد
عندما تسدي النصيحة الطيبة نجد الناس معظمهم منتفعين
ولكنك، ولعل الله يغيرك، أبداً سواءاً تزدادين
حتى البلهاء إذا ما أنصت لقول حكيم
عولج حمقها ولكن هل لك من دواء
يا من تعاندين، ولنصيحة زوجك ترفضين
وبالله الذي يرانا أفما كنت تنتصحين
في الوقت الذي قضيناه معاً قبل أن نصبح متزوجين
عن الصفات التي جعلتني في نظرك أقل شأناً
هل حالت بيني وبينك كمتشاركين ؟
ولكني قسماً بربي أن عريق الدم يسري في عظامي
فالتفاهات والصغائر ليست ممارستها من خصالي
فقد تجاهلت كل أولئك البلهاء
و تزوجتك يا أعند النساء

و أحيانا تغرق السفينة المحملة في العاصمة الهوجاء
بكل حمولتها.. فخسارة تلك عظيمة للإنسان
و ما من سفينة غارقة.. قبل ذلك تفقدني
ثروتي إذ أنها لن تزيد عن المهر الذي منحتك
البنادق الامعة و الخيال.. كلها قد ضاعت
أفلا تردين شيئاً تبعاً للعرف القديم

آه.. أيتها المرأة.. كثيرا ما فقدت صبري
و لكن ما دام – الآن – قد فشلت كل العظات
فإنني ممسك عن الكلام، و أحد ثلاث تختارين
العقاب، أو الإهمال، أو الطلاق.. اختاري منها ما تشائين
سلامة عربيي أحد الشعراء الصوماليين المرموقين و صاحب قصائد كثيرة تنشر في كل مكان لما لها من قوة و جمال، و الأبيات التالية من جباي طويلة لهذا الشاعر تحت عنوان..((إلي صديق خائن)) يعبر الشاعر عن مرارته و أسفه لفشل هذه الصداقة فيقول.
قبل أن تمطر السماء و عندما تكون الرياح ساكنة
تصبح حركة السفينة ذات الشراع العريض غير ممكنة
و الكتل الخشبية الكبيرة يصبح اشتعالها محالا
دون أن يساعدها لهب القش الجاف
و لا يعيش وحده إنسان دون حاجة في يوم ما
لمعاونة إخوانه، ليخففوا عنه أحزانه
فالانتصار تحصلت عليه في لعبة الحياة
إذ لم أكن منعزلا وحدي دون عون الإخوان
إن خير الجياد يثور إذا ما ضرب بقسوة
ضل عناني – و الخط يفزعني
فهل لك أن تدعني في سلام و لا تجعلني أصبح

انظر إلي.. !.. إني كنسر السهول الواسعة
في مكان قاحل أجلس حزينا
في وقت الإجتماع ذلك الوقت المهيب
عندما يتلاقى الرجال و اللسان حاد متأهب
كنصل السيف لروح الرجال يزهق
و حجة الرجل المغلوب تسمع و الحكم يصدر

بعض الناس بجانب الحق لا يعفون
و حقاً يسمعون. فمثل هؤلاء يرسلهم القدر
فهم للكراهية و الحقد صنوان.. غلاظ القلوب
و هذا الصديق الذي ظننته من الأعوان
لم يمنحني إلا السخرية و الهوان

موقف الأغبياء يسيء إلي كرام الرجال
منحتك يا صديقي الثقة و رددت الجميل
فدنست اسمي جاهدا أمام الجميع
و يوما إذا كان عندي لك حب
فقسما بالله قد تعثر الآن و ولي
تلك هى سنة الحياة و كم لها من مرارة
الشفقة نحو الرجال تولد الكراهية المستترة

في هذه الحياة من صداقتنا قد فشلنا
سيحسم الله في الآخرة خصامنا
فصادق أحداً آخر من أقاربك
لأني عن الولاء لك قد ابتعدت
و الآن مصيرك بطرف ردائك أعلقه
و لله وحده أترك الحكم فيك

و من شعر الجباى.
((قبل هذا الشعر أثناء أزمة أنفدي و قرار بريطانيا بجعلها إقليما سابعاً تحت إدارة كينيا)).

أيها العلم يا رمز وحدتنا و حياتنا
منذ مولدك و أنت على موعد معنا
فإن لم ترفرف على أنفدي و تعم وطننا
فماذا تفسر نجمك الخمسي فوقنا
لابد لشعارك من التحام و الفداء قلبنا

الجيفتو
يتميز شعر الجيفتو بالناحية الجماعية في إنشاده و إن كان لا يختلف كثيراً عن شعر الجباي في الطول و الجرس الموسيقي غير أنه أقل شيوعاً من الجباي.
و في الأبيات التالية من جيفتو بعنوان (( إجابة السيد في اليج )) و هى من قصيدة للسيد محمد عبد الله حسن قد نظمها كوسيلة لدحض اتهامات البريطانيين ثم أخذ يكيل لهم التهم. و منها.
أنا أشكو و أنتم عن الاغارات عليكم تتحدثون
أنتم السارقون لثرواتهم و لمساكنهم تنهبون
أنتم المفسدون لأوطانهم، و بالروث تلوثون
دفعتموهم إلي الجوع فأصبحوا للعفن و الضواري يأكلون
و هذا الهدف تجلبون و اليوم تظنونهم ينهبون
و إذا التفاهات من بين ما في أكواخهم يسرقون
فلا أشكو إليكم و لا إلي أنتم تشكون
فأنا أشكو و أنتم عن الاغارات عليكم تتحدثون

الجيرار
الجيرار شعر قصير بالنسبة لشعر الجباي و غالبا ما يستعمل في تزويد أغاني الاغارات بين الجماعات و يمتاز بسرعة التفعيلات بسرعة تشبه وقع سنابك الخيل التي تعدو. و الجيرار الثاني يشبه أحد الخيول المفضلة.
و إذا في الفجر أسرجت جوادي
و بعيداً قد ركبت
عبر السهول و الأنهار البعيدة
فقبل الغروب سرعان ما يعود
فهو معي دائما فمن دونه لا يمكنني الحياة
فهو بجوار مأواي كما لو كان قريبي

البرامير
يتكون الشعر الكلاسيكي الصومالي من الجباي و الجيفتو و الجيرار أما الأنواع الأخرى من الشعر الصومالي فهى أخف وزناً و أبسط من الشعر الكلاسيكى مثل البرامير الذي هو عبارة عن أغان نسائية تصاحبها أحيانا الطبول و الكورس و التصفيقات و من أمثلة هذا الشعر ما كتبه سيرادهاد بعنوان – ((رثاء حبيب متوفي)) – و يعتبر نموذجا صادقا للبرامير.
لقد كنت كالسياج المنيع
بين أرضنا و بين أحفاد على
الآن، و ليت، و أصبحت الآن كالسماء
البخيلة بالمطر و لكنها تغطي الأرض بالضباب
و القمر لأشعته لا يرسل
و كالشمس المشرقة التي بأضوائها تبخل
و كالقمر بين البصرة المفقودة في أعماق البحر

الهلو
يعتبر الهلو أحد الأنواع الشعرية المحبوبة في الصومال و خاصة بين الشباب فهو يشبه الأغاني العربية الشعبية و يؤلفه شعراء شبان و موضوعه في العادة يتناول الغرام و الحب، و تعتبر هذه الأغاني من أنواع الشعر الصومالي غير الجيد، و لذا كان دائما محل انتقاد من جانب كبار الشعراء الصوماليين لاستهتار الشباب في أشعارهم و مع هذا فإننا نعتبر هذا الشعر من الأناشيد ذات الجمال.
و يغنى هذا الشعر في صورة مقطوعات تعتبر كاملة بنفسها، و عند الغناء يصفق المستمعون أو يدقون بأقدامهم على الأرض تبعا للموسيقى أو النادي ذي النغمة الخفيفة الأخاذة.
و يعيب الهلو أن عمره قصير كما هو الحال في الأغاني الشعبية في كل مكان و يوجد بعض أغان جيدة يمكن مقارنتها بالأغاني الاستعراضية الشرقية.
و قد ألف أول هلو في عام 1945 بواسطة سائق يدعى عبدي ديكس و يطلق عليه أصدقاؤه اسم (سيما) و ذلك عندما كسرت سيارته في مكان منعزل بالمدينة.
و يستعمل الهلو في العادة بعض الرمزيات و المحسنات البديعية لكي يعبر عن معان كثيرة في قصيدة صغيرة، و تلك أبيات من الهلو لشاعر مجهول أجاد الوصف و المعنى في آن واحد.
عندما قد تخمد فالسرور
و يسكون الأرض تستقر
فلا تجعل الآن القديس
يبعدك عن أغانيك
فجمالك الفضي يبدو لي
كمكان فيه الحشائش تميل
بعد أن باركته الأمطار
و عندما ترسل الشمس أشعتها
فالرجل المفتون يحلم يقظه
أقتحم قلبه كالجن ليسكنه
لا يمكنه أن ينام فهذه الليالي
كنت بعيدا و سحب السماء تسير

قصيدة لشاعر آخر.
في الأيام الخالية نظرتك
داخل الأشجار
نظرتك و أنت كنت تحبينني
كبدي و قلبي يخفقان عند رؤيتك
و عندما غبت عني
عشق عيني مزق جسمي
و لم أعد أستسيغ طعامي
و عندما تركت حبكم
انظري جسمي مزدهرا كحب الرمان

أنت أيها الهدهد الراحل في الهواء
أتسطتيع أن تبلغ سلامي لهواي
إن الله أعطاك دوائي
فنجني من المرض و لا تجعل الطبيب يضايقني

لا ينكر أحد العشق
لأن الله العادل جعله في العالم كله
إن العشق ليس لعباً
فهو الذي قتل قيساً من قبل
يا شباب لا تضحكوا لحالي
إذا عرفتم خبر عشقي
إن عشقي لها ينحل جسمي
حتى الطعام الذي آكله يصيبني بالمرض

كل ليلة و أنا فوق الفراش
أحلم بها تضاحكني و تلاعبني
حتى ظننت الصدق في هذه الرؤيا

الهيس
يمكن أن نسمي الشعر الحضري بإسم الهيس لأنه يتناول موضوعات محلية أو سياسية، و هو في العادة بسيطا و مباشر في أغراضه، و لا يعمر طويلاً و سرعان ما يحل محله الجديد منه. و قد ألفت المقطوعة التالية من الهيس بمناسبة احتفالات الاستقلال بقيام الجمهورية الصومالية من اتحاد الإقليمين الشمالي و الجنوبي.
الحرية و الكرامة ملك لك
و البلدان اتحدا
المجد لله
قل أنه نصر الله
هيا غنوا و نغموا راقصين
فكل منا يقوته كاملا
و هذا يكفينا
إنه نصر الله
إنه نصر الله

و ترديد الأغاني تقليدي للتهوين من الأعمال مثل هؤلاء الذين يسقون الجمال أو النساء اللاتي يحكن الحصر.. و مثل تلك الأغاني تكون بسيطة في أسلوبها، و الأغنية التالية تنشد عند سقى الجمال.
ضع فاك في الماء بالبركة
فلا يوجد به شر
فعظامك الجافة
هى الآن رطبة و أصبحت ممتلئة

الشعر الصومالي و المرأة

المرأة محبوبة من كل أحد كأنها تنسي من يحبها كل شيء عداها، و تجرده من الشعور و الإحساس بأي شيء غيرها و يبحث عنها في كل مكان في الصحاري و الأرض الموحلة فهى منبع الإحساس و الأشجان و الأفراح و الأحزان و هى الجنة و الجوهرة المضيئة و هى الفناء.
فيقول أحد الشعراء الصوماليين.
من أجلك نسيت كل شيء حتى بني جلدتي
اذكريني قبل أن أدخل سجنا أو قبرا
اذكريني أن حياتي معلقة بك
إني مفرط في الحب لك.. أبحث عنك في كل مكان
و الأرض كلها موحلة من المطر
لا يسير أحد سواي
لقد هلكت في البحث عنك

و يقول شاعراً آخر:
أنت زهرة قلبي و محرك أشجاني
القلب عالق بك و العين تحب رؤيتك
أسعى إليك و لا أدري كيف أنت
لأن العين و القلب أجمعت رؤيتك

التتبع في الشعر الصومالي

التتبع في الشعر الصومالي يعتبر مظهراً من أهم مظاهر الشعر الصومالي الكلاسيكي ( الجباي والجيفتو والجيرار) وقواعد التتبع ثابتة ويمكن ملاحظتها بوضوح وتكون الكلمات المتتابعة أسماء أو أفعالاً أو أرقاماً أو أعلاماً ويحدث التتبع في مقطع كل شطرة .
والإلمام بقواعد التتبع من الصعوبة بمكان، فالشعراء الذين ليسوا على قدر كبير من الموهبة كثيراً ما يتعثرون في بحثهم عن الكلمات التي تتفق والقواعد التي تكون مضبوطة ومؤثرة ذات معنى، ويمكن الشاعر الجيد أن يتغلب على هذه الصعوبات، ويمكن أن يعبر عن نفسه بقوة وبدقة وفن.
ومن الصعوبة بمكان ترجمة الشعر الصومالي لأنه يعبر عنه إلى مدى بعيد في إصلاحات رمزية وصور شعرية واكتشاف المعاني والمحسنات البديعية مصدر كثير من سرور المجتمع، والقصيدة في العادة عميقة الجذور لأن هدفها نقل رأي الشاعر معبراً عن اهتمام الجماعة سواء كانت عائلية أو كل البلد .
ويسجل الشعر حوادث هامة من جميع الأنواع وبذلك يسجل جزءاً كبيراً من تاريخ الصومال، ويجب معرفة الظروف والملابسات التي يثبت عليها القصيدة ويقوم بذلك منشدون آخرون وتكون كمقدمة للقصيدة نفسها وقد حفظ كثير من التاريخ بهذه الطريقة بدلاً من اندثاره.
وشعراء مثل محمد عبد الله حسن، راغي أجاس، سلامة عربيي، عبدالله موسى، موسى جلال، مشهورون ويقطف من شعرهم الكثير من الصوماليين كما هو الحال مع شوقي أمير الشعراء وحافظ إبراهيم والمتنبي وغيرهم الكثير.
ويتمتع الشعراء الصوماليين بسمعة طيبة يحسدهم عليها زملاؤهم الشرقيون، ولهم أهمية مرموقة في مجتمعاتهم، والآن أصبح لكل حزب سياسي شعراؤه. وفي العادة ينشر الصلوات على روح الشاعر قبل بدء انشاد شعره إذا كان الشاعر متوفى.
وتهتم الإذاعة الصومالية بترديد الشعر الجيد والأدب لإحياء التراث الثقافي والأدبي وتعمل الحكومة من جانبها على تكريم الأدباء وإحياء ذكراهم نظراً لأهمية هذا الكنز الأول في التاريخ والثقافة التقليدية.
ويمتاز الشعر الصومالي بصفة خاصة هى أنه من الأنواع المعروفة بنتاج الجماعة وهذا من خصائص الأدب الفلكلوري كما يمتاز بالمكر والحيلة في استعمال الألفاظ والتلاعب بها وكذلك بالصور والأخيلة، وقد تأثر الشعر بالعروض والموسيقى الإيقاعية التي تشتهر بها القارة الإفريقية كما تميز بالتركيز على الجناس والجرس المعبر عن المعاني وسرعة الإيقاع فهو أسير التقاليد البلاغية.

القصص والأساطير الشعبية

تنتشر القصص والأساطير الشعبية بدرجة عظيمة بين الشعب الصومالي في كل مكان، ففي مدينة حول الموائد وفي أماكن شرب الشاي، وفي المساء حينما يجتمع البدو حول النيران المشتعلة عبر السهول، يجد الراوي الممتاز أذناً صاغية وقلوب واعية لما يروي من أقاصيص وقصص صومالية وأساطير وهى في العادة ذات تراكيب غير محددة، وعلى أية حال يراعى ذلم مع القواعد الرئيسية واتباعها بقدر الإمكان وفق الراوي نفسه.
والرواية فن شعبي وأقرب إلى الحياة اليومية منه إلى الأسلوب الخطابي فالراوي الماهر إنما يمثل الممثل الماهر ويلعب دور كل شخصية في قصته لإظهارهم في الحياة الشعبية.
وأساطير الحيوانات والرمزيات من قصص الأطفال وتستخدم في تربيتهم لأنها تحتوي على نصيحة ومواعظ ومعلومات، وتطرق القصص الشعبية المواقف الاجتماعية والأخلاق والعظات وشرور الدنيا التي سيقابلها الطفل إذا عصى والديه أو خالف أمر الله.
ويستخدم الكبار قصصاً بقصد الرمز في الكلام، وأحياناً يكون ذلك في القصائد مثلما يشير العرب إلى أغنية للأطفال معروفة أو قصص الجان والشياطين.
والقصص التي تروى بين الكبار هى التي تتناول شخصية تاريخية مشهورة مثل سلطان وال وال الذي حارب ضد الحبشة أو شخصيات تاريخية مثل الشيخ إسحاق.
وفي هذه الأيام تناولت القصص بعض الأغراض الجديدة في القصة الصومالية مثل تلك التي تتحدث عن المغامرات البحرية أو غيرها وفي القصة التالية تجد مغامرة مثيرة وعنوانها
أجال بوكه المرح
كان أجال بوكه يعرف بالصديق الصغير الأعرج، وقد غادر وطنه بعيداً باحثاً عن عمل وبعد مغامرات واسعة وجهد كبير وجد نفسه في جنوب أفريقيا، وقد استقر به المقام في جوهانسبرج وفي أحد الأيام مالت نفسه إلى المرح وشهوة الطعام فاستنفذ كل ما معه من مدخرات في يوم وليلة، غير أنه لم يحزن على هذه الثروة الضائعة وأخذ يفكر جاهداً لعله يجد مخرجاً من كربته فنزح إلى مدينة جديدة ولم يكن معه غير سبع جنيهات حينما تقابل مع رجل يملك كلباً صغيراً يعرضه للبيع، فاشتراه منه أجال ودفع له كل الجنيهات التي معه ثمناً للكلب، وخرج صفر اليدين مزهواً بالصفقة التي قام بها واشتاقت نفسه إلى سيجار فما كان منه إلا أن باع الكلب في قرية أخرى بسيجار وانشرح صدره حتى إذا ما وصل إلى قرية شعر بالجوع والعطش وقد استقر به المقام في وادي قريب من القرية وقرر أن يقضي ليلته فيه وكان بالقرية حمير كثيرة تذهب إلى الوادي ليلاً للرعي فيه وحملق أجال في هذه الحمير ليراها ثم نهض من مضجعه وقفز على ظهر بغل كبير كان يقود القطيع وركله في بطنه فتلوى البغل من الألم وقفز سريعاً تتبعه بقية الحمير وفتح أجال ذراعيه كالطير وصرخ كالضبع وأسرعت الحمير من ورائه مذعورة.
وظل أجال ممتطاً ظهر البغل طوال الليل حتى أقبل على مشارف مدينة فاستقر بها فترة وباع الحمير بثلاثين جنيهاً ثم ارتحل إلى مكان لبيع الطعام فأكل وشرب، وتصادف عند مروره في السوق أن استرق السمع على قوم فوجدهم يتحدثون باللغة الصومالية إذ كانوا يعملون على ظهر سفينة فقدم نفسه إليهم، وصحبوه معهم ليجدوا له عملاً وهكذا وجد الرجل الذي اقترف إثماً كبيراً مأوى وعملاً وشعر بأن روحه تعيش في سلام.
ولما رست السفينة في عدن ذهب أجال إلى محل لشرب الشاي وأخذ يقص قصته على بعض الصوماليين والعرب هناك فنظروا إليه بحذر مشدوهين وأخبروه بأنه لابد وأن يكون مجنوناً فيدفع سبع جنيهات ثمناً لكلب، ثم يبيع الكلب بسيجارة فضحك أجال قائلاً أنكم صبية صغار. بالله عليكم خبروني ماذا تفعلون إذا ما رأيتم الدنيا تنهار وأنتم أنفسكم تبغون إصلاحها؟ فأجابوه بأن أحداً لا يعرف ماذا يفعل. فأجابهم أجال قائلاً إن أحسن عمل تقوم به في هذه الحال هو أن تركل الدنيا ركلة شديدة لتجعلها تهوي كاملة. فلما وجدت حظي قد وصل إلى الحضيض كان علي أن أطيح به وأجهز عليه، ولكنه ارتد إلي لأنه كما يقول المثل الصومالي.. البطن الخاوية صديقة إلى الله.
الشاب الفاتك
هذا نموذج آخر للقصة الصومالية المسماة شيكوه، واسم القصة وبل وال أي الشاب الفاتك، ويزعمون أن هذا الشاب كان شجاعاً قوي البنية يحمل سلاحه دائماً ولا يضعه إلا حين يحلب البقرة، وكان لهذا الشاب أخت لم تتزوج ففكر بعض أعدائه في الذهاب إلى أخته ليقول لها أني أريد أن أتزوجك ولكن أخاك لا يرضى، فقالت اقتلوه. قال وكيف نقتله وهو رجل شديد البأس، وفكرت الأخت ثم قالت: إن أخي يترك سلاحه عندما يحلب البقرة وفي هذا الةقت أنادي باسم من أسماء العجول لتهجموا عليه وتقتلوه.
وفي الليل وضع الشاب سلاحه ليحلب البقرة، فنادت الأخت، وفهم الشاب لأنه لم يسمع هذا النداء من أخته قبل تلك الليلة، وأسرع إلى سلاحه وقبل أن يهجم عليه أعداؤه هجم عليهم وقتلهم جميعاً وقتل معهم أخته!
ويأخذ الصوماليون من هذه القصة إحدى حكمهم المشهورة (( لا تأمن المرأة ولو كانت أختك ))

القصص الرمزية

توجد آلاف من القصص الرمزية ذات المغزى الكبير ومن اشهرها قصة تقسيم اللحم والتي تروى على الوجه التالي:
منذ أمد بعيد خرجت الوحوش للصيد معاً وعلى رأسها الأسد فقابلوا جملاً فقتلوه وقسما اللحم تبعاً للقسمة المعتادة. فاستدعى الأسد جميع الوحوش ومط نفسه متثائباً مكشراً عن انيابه نظهراً قوته، وزأر زائيراً مخيفاً فارتعدت الوحوش ثم أمر الضبع ليقوم بتقسيم اللحوم.
فقال الضبع: نصف اللحم للأسد العظيم، والنصف الآخر لبقية الوحوش، وسرعان ما التفت إليه الأسد وسدد لكمة للضبع أصابت إحدى عينيه فقلعتها من محجرها فترنح الضبع صارخاً من الألم، ثم اختار الأسد الثعلب قائلاً تعالى يا أم الثعالب دعينا نرى إذا كنت تفوقين الضبع في تقسيم اللحوم فقالت الثعلب دون تردد يا صاحب السمو أنت تأخذ الكرشى والعظم والعظام والذيل والرأس والرقبة واللحوم جميعاً فابتسم الأسد راضياً مسروراً قائلاً أين تعلمت هذه القسمة الممتازة العادلة؟ فأجابت : تعلمتها من عين الضبع التي فقئت.

الحكم الصومالية

تدل الحكم الصومالية على درجة عظيمة من البصيرة والذكاء، وغالباً ماتستعمل في الحديث، وتقطف من قصيدة، أو قصة لتشرح نقطة ما بطريقة دقيقة فليس هناك هروب من الحقيقة من هذا المثل.
عندما يذهب الإنسان للنوم ويستيقظ يجد نفسه أنه لم يتغير؟ وفي شرح الحقيقة التي لا تتغير (( الرجل الذي تعدى عليك لا يأخذك إلى مكان ظليل))، وحكمة أخرى يمكن أن تقدر في أي بلد آخر هى (( للأغبياء مائة عين، يرون أحبابهم بتسع وتسعين منها وبواحدة يرون أعدائهم)) ويمكن ملاحظة المثل القائل (( الرجل الذي يعرف كيف يكذب يعرف السحر )) وهناك عشرات من الأمثال الصومالية مازالت باقية وتستخدم في المناقشات فهم يختمون كل حياتهم بطريقة مركزة من حياتهم اليومية.. فمن حكمهم: أصبع واحدة لا تغسل الوجه
اضرب السفيه بعصاه
ويل للنائم من اليقظان
من كان على وضوء لا يفزعه الآذان
الطعام الردئ يبقى في الإناء
الجائع عفوه بعيد
بداية التدخين الصبر على رائحة الطباق
من نزل إلى النهر لا يخرج بغير بلل
الكذاب يستعين بشهادة ميت أو غائب
من قبل أن تعرفني ..لا تبغضني
لا تضع ماء في إناء مشقوق
بقرة الغائب تلد ذكراً
رجل يملك بذراً وأخر يملك ماء، كلاهما محتاج للآخر
اليد الواحدة لا تقطع شيئاً
لاتتزوج بنت المرأة الشريرة
الحجر لا يفرق بين المس الناعم والضرب الشديد
ما حرمته السماء لا تحله الأرض

عادات وتقاليد

التضامن الجماعي

ليس من السهل على الإنسان أن يتفهم نظام الأسر الصومالية في العهد القديم للنهضة الحديثة التي تحارب النظام القبلي، لأن الأسر الرئيسية مقسمة إلى أسر فرعية كثيرة، وعلى أية حال كان التنظيم الأسري دائماً في الماضي يحفظ الأمن الصومالي، فإن سلامة ماشيته وحياته وأسرته تتوقف في معظم الأحيان على المساعدة التي يستطيع أن يحصل عليها بغير عناء ودون أن يخيب له رجاء من بني فلذته في وقت الشدة والضيق ويقول الشاعر الصومالي عرايبي في قصيدة له:
ينبغي أن يحمي ذوو القرابة كل منهم الأخ
مثلما يحمي السور الشائك الأغصان ويكفل سلامتها
فالعائلة كانت عند الصومالي حماية في وقت الحاجة وعند الخطر، وهى الضمان له فلا يجد نفسه في غير حاجة إلى أن يواجه تقلبات الحياة وحيداً منفرداً، ولذلك ففي ظل شروط الدفاع والمعونة المتبادلة لعب النظام الأسري دوراً هاماً للغاية في الحياة الصومالية، ومن السمات الرئيسية للمجتمع بين البدو والرعاة في الشمال الدية التي يدفعها أقرباء الشخص الجاني متضامنين لهم يدفعون له تعويض الدم ويأخذون عنه الدية. ففي أي نزاع يحدث بشأن الماء أو المراعي تتحد كل جماعة متضامنة في دفع الدية متحملين مسئولية مشتركة تجاه الجماعات الأخرى، أو إذا اعتدت على قطيع جماعة ما أو أتلفت ممتلكاتها فإن الجماعة المشار إليها تطلب تعويضاً طبقاً لنظام الدية التقليدي.
وفي معظم المناطق يكون التعويض عن حياة الرجل مائة جمل، وبعد أن تتم الترضية يقسم الدين بين الأعضاء الذكور في الجماعة ولذلك فإن ما يقوم به الفرد يصبح مسئولية الجماعة كلها وأن الفرد ليعتبر جينما يعزم على القيام بعمل ما أنه سوف لا يورط نفسه فقط بذلك العمل وإنما يورط أقاربه كلهم معه.
وتحت ظل نظام التضامن الجماعي في دفعه الدية قامت السياسة على نظام ديمقراطي فيجتمع مجلس عام يسمى ( شير) ولكل فرد بالغ الحق في إبداء رأيه.
ولبعض البطون الصومالية سلاطين يحملون الألقاب الصومالية القديمة ( جراد – بوغر – أوجاس ) ولكن في معظم الأحوال يعبر هؤلاء الزعماء في مجلس الشورى عن وجهة النظر السائدة للجماعة المحتشدة أكثر من محاولتهم فرض رأيهم على الأغلبية.
وفي جنوب الصومال ينتظم الشباب في مجموعات للاشتراك في أوجه النشاط المختلفة كالصيد، وحفر الآبار القريبة، وزراعة الأرض والاشتراك في الاحتفالات وحلبات الرقص ولهم أيضاً طرق متقنة في تنظيم استعمال بحيرات الماء. فمثلاً إذا بل الرجل قميصه وهو يسقي ما شيته يكون عرضة لدفع غرامة حيث لا يسمح لأحد بأن ينزل في موطن الماء أو أن يغسل ملابسه فيه إذ يجب أن يكون غسل الملابس خارج الغدير لحفظ الماء نظيفاً نقياً.
وهذا النظام للأسر الصومالية التي تحدثنا عنه أصبح ضمن نطاق التاريخ الاجتماعي للشعب الصومالي في الماضي البعيد إذ أن السنوات الخمس الماضية التي تلت الاستقلال قد قضت على النظام القبلي البائد، ووضعت أسساً جديدة للمجتمع الصومالي الجديد الذي ينخرط جميعه في سلك حكومة واحدة ترعى مصالحه، وتعمل لما فيه الخير للجميع دون تمييز بين قوي أو ضعيف أو فئة على أخرى، وإنما الجميع سواسية أمام العدل والقانون.
ولننتقل الآن للحديث عن بعض العادات والتقاليد المتعلقة بالخطوبة والزواج والدفن والأعياد التقليدية.
الخطوبة والزواج
الزواج بين الصوماليين ليس بعقد بين الرجل والمرأة أي مسألة فردية فحسب، بل هو اتفاق بين عائلتين، كما أنه أيضاً ذو أهمية بالغة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بحيث أنه يمتد أحياناً إلى أبعد من مصلحة الزوجية، فأقارب الزوج لهم اعتبار في اختيار العروس، وفي حالات كثيرة تنتظم عملية الزواج بين الأسرتين، فليس التفضيل الشخصي بالشئ الذي يعمل له حساب، ولكن مصلحة الجماعة فوق ذلك الاعتبار. على أن بعض الشبان غالباً يتزوجون باختيارهم إلا أن التدابير الرسمية التقليدية لا تزال بالشئ الواجب على أسرة الرجل أن يقوم بها. والفترة المناسبة والمفضلة للخطوبة عند البدو من أهل الشمال هو فصل جو بعد أمطار الربيع حيث يتوافر المرعى والماء وحيث يقل عمل الرعاة.
وتعرف المرأة الصومالية بأنها من أجمل نساء العالم فإن مستوى الجمال عند الصوماليات في غاية الإحكام والدقة ومقياس الجمال عند الصوماليين أن تكون المرأة ممشوقة القوام ممتلئة البدن في غير سمنة قد أحكم استدارة نهديها وأردافها كما وصفها الشاعر العربي:
هيفاء مقبلة، عجزاء مدبرة ... لا يشتكي قصر منها ولا طول
وأن تكون ممشوقة رشيقة في مشيتها وإن كان بعض الشباب يؤثر الجمال وحده، وتقاس الفتاة الصومالية أيضاً بشخصيتها ومهارتها في العمل المنزلي وحذقها واجتهادها واعتدال مزاجها.
وفي العادة تكون العلاقات قبل الزواج بين الفتى والفتاة علاقة رسمية للغاية وللبكارة قيمة كبيرة عند الزواج.
وإذا ما خطب الشاب الفتاة تبادلت الأسرتان الهدايا ( جاباتي) فيقدم الشاب هدية لوالدي الفتاة وتكون عادة في شكل نقود أو ماشية ( الياراد ) وهو مال العروس الذي يدفع لأسرة الفتاة، ويكون عادة من الماشية التي تؤخذ من قطيع أسرة الرجل.
( ويباو ) هو جزء من ( الياراد) يرد كهدية لأسرة العروس، والمنحة التي تقوم عليها رابطة الزواج الشرعية هى المهر الذي سنته الشريعة الإسلامية ويدفع للعروسة، وتقدر قيمة المهر في العادة بين 15 جنيهاً و 20 جنيهاً، ويكون دائماً أقل من الياراد ويتفق على المهر في حضور الشهود والشيخ ( وداد ) أي ( رجل الدين) وهذا الاتفاق يعين صلة الزواج الشرعية ثم يبارك الشيخ الزوجة بآيات من القرآن الكريم، ويعلن أنهما قد أصبحا زوجاً وزوجة.
ثم تأخذ احتفالات مراسيم الزواج التقليدية دورتها، فيأخذ العروس نساء من أسرتها ويقدمها إلى عشها الجديد، ويرتل الموكب الأغاني والأناشيد، كما يقود العروس رجال من بني لحمته.
وقديماً كان الرجل يضرب زوجته بكرباج خاض لهذا الاحتفال ويسمى بالصومالية (( جيدال )) وذلك للسيطرة عليها، ولكن الآن أخذت هذه العادة صورة أخرى هى أن يصفع الزوج زوجته كدلالة رمزية للقوام عليها ويستمر الرقص والغناء وأفراح الزواج سبعة أيام.
وفي الجزء الجنوبي الزراعي من الصومال ميل شديد للزواج من بنات العمومة وهى عادات ليست شائعة في الشمال وتكاليف المهر تنخفض كثيراً في الجنوب عن الشمال. وقبل الزفاف يأتي العروس وهو يقود الثيران والجمال التي تحمل الماء واللبن والطعام وقد ربط حول رقبة جمل منها زوجاً من الأحذية كهدية شخصية للعروس والثيران والطعام لوليمة العروس.
وفي الليلة السابقة للزواج تشترك العروس في الرقص، وفي يوم الزواج يقود العروس رجالاً من رفقائه يحملون عصيهم يتقدمهم مغني جيرار حتى إذا ما اقترب الموكب من الكوخ كانت الأغاني مديحاً للعروسة، وإذا وصلوا طافوا بالكوخ ثلاث مرات وعندئذ يقف العروس خارج الباب بينما يقول أحد أفراد الجماعة: العريس لا يجد الباب، ماذا سيقدم له الأخ والعم وابن العم؟ ويعتبر هذا طلباً تقليدياً لكل من في الحفل ليقدم المنح للعروس وحينما يتسلم الهدايا يدخل الكوخ ويتنظر عروسه التي يحضرها له أحد أقاربه.
وترتدي العروس ملابس جديدة مطرزة، والحذاء الجديد الذي قدمه الزوج لها. ثم تطوف العروس ومن يصحبها حول الكوخ ثلاث مرات ثم تدخل.
ويترك الزوجان وحدهما، والمفروض كما هو الحال في الشمال أن يظل الزوجان ماكثين مع بعضهما في الكوخ ستة أيام.
يسمح الإسلام للرجل أن يتزوج بأربع زوجات لأسباب وضعها الدين الإسلامي ومن الناحية العلمية لا يتثنى هذا العدد حتى لأكثر الصوماليين ثراء.
ونظام الزواج من وجهة نظر الصومالي إنما هو أمر خاص بالاحتياجات الاقتصادية ومصالح الأسرة كلها بصفة رئيسية، فغالباً ما يكون الزواج موافقاً ملائماً بالنسبة للمرأة الصومالية التي تنوء بواجبات كثيرة منها العناية بالماشية ونسج الحصير، وإقامة أكواخ البدو وحينما تنتقل الجماعة ( طلبا للمرعى) فإن الزوجة تعتني بالأطفال وطهو الطعام وتحميل وتفريغ حمولة الجمال، وتقتسم مع الزوجة هذه الأعمال زوجة أخرى أو زجات أخريات في أي أسرة حيث توجد العلاقات العاطفية بطبيعة الحال في الزواج المتعدد الزوجات مثلما توجد بين وحيد الزوجة.
وتتناقل الأخبار قصة قديمة لرجل كانت زوجاته الأربع يتجادلن دائماً فيما بينهم أيهن أكثر حظوة من الأخريات؟ فغضب الزوج وطلب منهن جميعاً إغماض أعينهن وقال لهن أنه سيمس الزوجة المحظية عنده بشرط ألا تفشي ذلك السر، ثم لمسهن جميعاً ومن ذلك اليوم ساد السلام بينهن.
وتعتبر الزوجة الأولى أعلى مقاماً في الأسرة وتعرف في الأسرة مع أولادها باسم ( مينوين ) أي البيت الكبير، وتعرف الزوجات الأخريات باسم ( مينار ) أي البيت الصغير، ويحمل أولاد الرجل اسمه الأول كلقب فابن أحمد يقال له عبدي أحمد، وابنته يقال لها حليمة أحمد.
أما في الأسرة التي يتعدد فيها الزوجات فيتخذ الأولاد اسم أمهم وعلى ذلك فأبناء حواء يعرفون دبج حواء وبعد الزواج ربما يقضي الرجل بضعة أشهر أو عاماً بين أهل زوجته، ولكن بعد هذه الفترة الأولى يعود مع زوجته ليعيش بين أهله. ومع أن الزوجة مرتبطة بعشيرة زوجها بمصالح منزلية واقتصادية علاوة على الراوبط العاطفية وروابط الأبناء إلا أن شخصيتها لا تذوب في أهل زوجها بل تبقى إلى درجة معقولة متصلة بعشيرتها الخاصة.
والزوج هو المالك الشرعي للماشية، ولكن تقع مسئولية العناية بها على عاتق الزوجة وفي الحقيقة أن الزوجة تقع على مسئوليتها إلى حد كبير شئون شراء وبيع الأغنام والماعز التي تمتلكها العائلة ويمكن النظر إلى عادات الصوماليين في الزواج على ضوء الأهمية الاجتماعية، فلا يمكن أبداً اعتبار العرس صفقة، وذلك بسبب وجود عادة دفع المهر. فجزء من ذلك المهر يرد عادة ويقدم أقارب العروس أيضاً الهدايا للزوجين الجديدين، فيمكننا أن نعتبر عادة دفع المهر عملية تبادل هدايا هدفها تقديم الضمانات لنجاح الزواج وإظهار عنصر الاستقرار والسلوك الحسن وتحمل المسئولية.
والطلاق موجود بين الصوماليين، ويقوم به القاضي طبقاً للشريعة الإسلامية، وغالباً ما يقع الشباب في حب الفتيات، وغالباً ما يكون حبه شيئاً لا علاقة له إطلاقاً بأي أمل في الزواج أو مسألة غرامية، ويعبر عنه في بساطة داخل قوالب من الشعر، فأحياناً يروي الشاعر أغنية لفتاة رآها مرة واحدة ولن يراها مرة ثانية أو لإمرأة جميلة ولكنها بعيدة المنال، ولايمكن الزواج بها. وذلك على غرار أغاني العصور الجاهلية في شبه جزيرة العرب التي كانت تؤلف لنساء لا يعرفن الشاعر في حياته الواقعية وإنما هى مجرد رؤية عابرة، ويكون عادة حباًُ أفلاطونياً ويجد متنفساً له وتعبيراً عنه في إنشاء الشعر بمصاحبة الطبول حيث يمدنا بالتسلية والخبرة العاطفيةالعميقة.
الدفن
طبقاً للتقاليد الإسلامية يكفن الموتى ويدفنون في مقابر تحتوي على رفوف توضع عليها الجثة أو في مقابر تحتوي على حجرة أو حجرتين أو أكثر، وفي بعض المساجد تقام الشعائر الجنائزية، وفي أثناء ذلك تعلق الجثة من السقف رمزاً لرحلة الروح إلى السماء. وكسائر المسلمين يوقر الصوماليون رجالهم الأطهار الذين يعتبرونهم مستحقين لمغفرة الله وعفوه وفضله، ويقام على مقابرهم حرم له قبة مميزة، ويحج إليهم كل عام. وقد أصبحت مقابر بعض الشيوخ المسلمين في الصومال أماكن لها أهمية عظيمة، وأصبحت هذه الأماكن مراكزاً لتجمع الزائرين وتقام لها الاحتفالات سنوياً.

عادات وتقاليد قديمة

1-ومع أن القرآن الكريم نظام أبوي فإن الصوماليين ما زالوا محتفظين بالمؤثرات الحامية التي كانت لهم قبل الإسلام فيجعلون للانتساب إلى الأم أهمية كما كان الحال عند المصريين الأوائل، وشعب البجة في شرق السودان، فيقول المصريون.. أحمس بن أبانا أي هذا أحمس الذي أمه تسمى (( أبانا )). ويقول الصوماليون هبر يونس .. أي أبناء الزوجة التي ولدها الأكبر يدعي يونس، وقد اختفت هذه العادة من حياة الشعب، وأصبحت من التراث التاريخي القديم.
2-ومن العادات والتقاليد البالية التي أخذ بها بعض القبائل القاطنة في جنوب الصومال وخاصة سكان جوباالعليا ما يختص بشأن نظام درجات السن الذي أخذوه عن الجالا، ويقضي هذا النظام بتقسيم القبيلة إلى مجموعتين على أساس السن. هما مجموعة البلغين ومجموعة الصغار غير البالغين. وعلى البالغين تقع مسئولية الدولة، وقد قسموا إلى مجموعات أصغر على أساس السن أيضاً. فكانت مجموعة الالبغين على خمس درجات هى:
1-طبقة الشباب الصغار.
2-طبقة الشباب المحارب بدون سلاح ثمين.
3-طبقة المحاربين الكبار.
4-طبقة الرؤساء.
5-طبقة الشيوخ العظام ( دون حمل سلاح )

ولكل طبقة من الطبقات الخمس مهام عملها الخاص دون التعدي على الطبقة التالية لها.
3-ومن العادات أن للأخ حق أن يرث أخاه في زوجته، وإذا رفضت اعتبرت ناشزاً، وليس لها حق الوراثة والحضانة لأولادها، كما للزوج حق الزواج من أخت زوجته المتوفاة، وهذه الحقوق والعادات في بداية حياة المجتمع قد تلاشت مع الاتساع الحضري والعددي للسكان وأصبحت الدولة على رأس التظيم والتدبير للصالح العام وقضى على هذا النظام قضاء تاماً.
4-بينما كان المجتمع الصومالي في الشمال حيث حياة الترحال والهجرة واسعة النطاق نجد أن الفرد لا يتمتع بعضوية مجلس العشيرة إلا إذا كان منتسباً لأفراد العشيرة على عكس ماعليه الحال عند الجماعات المستقرة من أجل الزراعة حيث أن العضوية مباحة للجميع فهي تعاونية اشتراكية ويستثنى من ذلك تلك الجمعيات الصومالية المستقرة على ضفاف نهر جوبا ونهر شبيلي والتي وجد فيها بقايا من الجالا أو البانتو أو العبيد الذين اعتقوا بعد إلغاء نظام الرقيق في الصومال في أوائل القرن الماضي، فإن هذه المجموعات لها طابع الإزدواج في نظام المجتمع.
وفي العادة لمجلس العشيرة سلطة واسعة ولها رئيس يعمل وفق التعاليم الإسلامية كما هو الحال عند قبائل المعازة في جنوب مصر وعند البجة في شرق السودان وعند بعض القبائل العربية، وكانت القبيلة تكون مجلسها من العشائر ورئيسها منتخب وإن كان بالوراثة غالباً، وللقبيلة قاضيها، والعصبية القبلية واضحة جداً تبعاً لقولهم انصر أخاك غالباً أو غلوباً، وقد أثر الإسلام فيها وعدل منها فآخى بين الجميع، وقد تغيرت هذه النظم في عهد الإدارة الحكومية وإن بدأت بالتدريج على صورة إعطاء حقوق مؤقتة لمجلس العشيرة، وهدف افدارة هو استغلال طاقة مجلس العشيرة في إقرار الأمن وحل بعض المشكلات تحت إشراف الدولة.
وفي عهد الوصاية الإيطالية منح رؤساء القبائل حق الاشتراك في المجالس الإقليمية في صوماليا، وكذلك في التمثيل في الجمعية التشريعية الأولى.
وفي الوقت نفسه كان رجال الحزاب السياسيين يعملون على محاربة منح القبائل أي ميزة قانونية بدون حق، ومع حركة الصحافة والإذاعة والتقدم اندثر النظام القبلي إلى حد كبير في كافة أنحاء الجمهورية الصومالية.
5-ومن العادات البالية للحاميين عامة فكرة الطبقة الأرستقراطية عند الرعاه وعدم الزواج من الأقنان أي عبيد الأرض، ومن يتزوج من الصوماليين من الأقنان لا يحق له أن يصاهر من الطبقة التي ينتمي إليها.
6-وعقاب الزانية هو رجمها بالأحجار، وقتل ابنها، وقد تحرق في ميدان عام كما هو الحال عند الزنوج وبعض القبائل العربية قديماً.

7-وتعدد الزوجات أمر طبيعي لدى كافة الحاميين وقد حد الإسلام الأزندي في جنوب السودان، ويرى الصوماليون القدامى أن الساحر رجل على الطريقة الفرعونية القديمة.
8-وللسحر أهمية بالغة في حياة المجتمع كما هو عند شعب الأزندي في جنوب السودان، ويرى الصوماليون القدامى ان الساحر رجل غير عادي ولا يموت كسائر الناس. ويرجع هذا إلى تعاليم ومهارة الساحر فحينما يتوفى الساحر يعمل أتباعه على إخفاء جثته حتى لا يراها أحد مما يدعم مركز الساحر الحي ويزيد من إيمان الناس بالسحرة.

9-وعبادة الطوطميه غير شائعة إلا في مناطق محدودة كما هو الحال على نهر شبيلي عند مدينة بلعد إذ كانوا يعتقدون أنهم انحدروا من صدر لبؤة، ولهم أسماء سرية لخاطبتها ويسري الاعتقاد بينهم أن السباع لا تستطيع أن تؤذي أحداً منهم.
10-ولشجرة الجميز المسماه بروى تقديس عند النساء فإذا ما أنجبت إحداهن تبخرت باوراق هذه الشجرة، وهذا في اعتقادها يحفظ المولود والطفل من الأمراض، وهذه العادة موجودة لدى الريفيين في مصر حتى اليوم ولكنهم يعلقون قطعة من ثوب المرأة الذي كانت ترتديه قبل الوضع على شجرة الجميز.

11-ولللبن أهمية بالغة عند الصوماليين فهو مقدس ثمين إذ كان سلاطين مجرتنيا يتولون الحكم بعد مراسيم التولية وصب قليل من اللبن فوق رأس السلطان. ومن عادات المزارعين الصوماليين في الجنوب أن يسكبو اللبن على الأرض حينما يحتفل بتولية زعيم لهم ومعناه أنه مصدر رزق.
12-ومن عادات بعض الجماعات من سكان الأوجادين وهرر الميل إلى القتال فإذا قتل أحدهم واحداً من الناس كان له الحق في أن يضع على رأسه ريشة بيضاء من ريش النعام، ويعرف عدد ضحاياه بعدد ما على رأسه من الريش.
ومن عاداتهم أن الشباب الذي ليس على رأسه ريشة نعام بيضاء لا يعد صالحاً للزواج. لذلك إذا شرع واحد منهم في الزواج أخذ يبحث أولاً عن ضحية من الجماعات المجاورة أو الأجانب الرواد يبرر بقتله أخذ يد خطيبته . ويذكر السيد / محمد رءوف باشا حاكم هرر ( أثناء الإدارة المصرية على هرر ) في مذكراته قوله للصوماليين (( أنتم تدعون أنكم مسلمون، ولكن الشريعة الإسلامية تنهى عن القتل، تضعون إذا أصبتم ريشة النعام البيضاء على رءوسكم ولكن لا تضعونها إلا بعد أن تكونوا قد أتيتم عمل الجندي الباسل في قتال قانوني، لا بعد أن تكونوا قد ارتكبتم جريمة القتل بالاغتيال والخديعة..))

الأعياد التقاليدية للصوماليين

للصوماليين بعض الأعياد والاحتفالات التقليدية الشعبية القديمة كعيد فرعون مأخوذ عن مصر القديمة وعيد الاستسقاء، أو جلب المطرمأخوذ عن الزنوج، والاحتفالات والابتهالات بعد سقوط الأمطار ويسمى عيد الخصوبة مأخوذ عن البانتو، وعيد البذر والحصاد مأخوذ عن مصر القديمة، واحتفالات الزار عن شعب أرتريا.
احتفالات الزار
أول من استعمل الزار هو شعب أرتريا من العناصر الحامية القاطنة إلى الشمال من الصومال وكانوا يطلقون عليه اسم إله السماء، وانتقلت هذه العادة إلى الحبشة ثم الجالا، فشعب الصومال، فالحجاز، فمصر في القرن التاسع عشر.
وأصل الزار معبود وثني قديم تحول في عهد المسيحية والإسلام إلى روح شريرة. والزار نوع قديم من الرقص المقدس يحتشد الأهالي على هيئة دائرة كاملة ويأخذ المنشدون في الغناء بنغمة خاصة تثير فيهم الحركة، فجأة يسقط أحد المحتشدين في الدائرة على الأرض مغشياً عليه ويستمر الإيقاع في التزايد، والغناء لا ينقطع بين التصفيق والتهليل وضرب الأرض بالأرجل بعنف وقوة، ثم ينهض المغشي عليه متثاقلاً ليعود إلى حلقة الرقص شاهراً في يده خنجراً لامعاً، ويستمر حتى إذا ما غشي عليه مرة أخرى قام مرة ثانية شاهراً خنجره في يده ومبتعداً عن الحلقة ليعود بعد فترة قليلة، وخنجره يقطر دماً، ويزعم الناس أن هذه الدماء من دماء الجن الذي قتله هذا الرجل بخنجره في ذلك المكان.
دبشد (( عيد النيروز أو عيد فرعون ))
(( دبشد كلمة صومالية بمعنى – أشعل النار )) وعيد النيروز تسمية فارسية بمعنى (( رأس السنة الجديدة)) أما تسمية عيد فرعون فإنها تشير إلى الصلات القديمة بين مصر الفرعونية والصومال فمن الثابت أن المصريين القدماء كانوا حارصين على الاحتفالات بعيد رأس السنة.
عيد دبشد من العادات القديمة التي تتسم بالقسوة والعنف وما فيها من أفراح وأحزان. وأسطورة عيد دبشد أو عيد النيروز أو عيد فرعون محفوفة بالعجائب والغرائب في أفجوي التي يقول الأهالي أن هذا البلد أي أفجوي كانت محتلة بقبيلة تسمى ( بربر وشيري ) وكانت هذه البلدة مقسمة إلى 12 قرية، وكان من عادات هؤلاء أن تمر عليهم الأيام الثلاثة من عيد النيروز أي في اليوم الثاني من شهر أغسطس في العصر واليوم الثالث في الصباح واليوم الرابع في الصباح أيضاً. فتقام فيها المحافل والمظاهرات وإضرام النار والرقص والغناء والطرب والتصادم والاشتباك.

ويبدأ هذا المهرجان بإضرام النار ثم ينقسم القوم إلى قسمين متخاصمين فيتضاربان ويتصادم الأول بالآخر، وتنتهي المعركة بين القبيلة ومنها الضاحك ومناه الباكي ومنها الغالب ومنها المغلوب.
ولما هم أهالي أفجوي الذين يسكنونها حالياً بمطاردة هذه القبيلة وإجلائها من البلاد أتى الموعد وحان الوقت وأقبلت السنة التي كانت قبيلة بربر وشيري تحتفل فيها بهذا العيد التاريخي فلم يحتقل فلم يحتفل الأهالي الحاليون والذين احتلوا هذه البلدة في ذلك الحين، ولم يعملوا شيئاً في هذه المناسبة فتفشت بينهم المراض وخيم على بلادهم الشقاء والبؤس وانقطعت عنهم الأمطار واجدبت أراضيهم ولم تأت مزارعهم بأي محصول، ولم يدر القوم أسباب لهذه المصائب التي حلت بهم فتشاور سكان هذه القرية فيما بينهم واستعرضوا تاريخ أساطيرهم، ومن قبلهم، وطرائفهم التي يعتقدون بها الخير والشر. وتقرر أخيراً في أدمغتهم وثبت في مخيلتهم أن السبب في ذلك البلاء الذي ألم ببلادهم هو أنهم لم يضربوا النار التي كانت تضربها قبيلة بربر وشيري وأنهم كفروا بمعتقدات هذه القبيلة وهجروا الضرب والاصطدام و اختلاط الرجال والنساء في شواطئ الأنهار بصورة عارمة فأرغمتهم الضرورة ودفعت بهم الأسطورة إلى اعتناق هذه العادات وظنوها في صالحهم، وشرعوا من ذلك الحين في الإيمان بهذه الخزعبلات واتخذوها عادة لهم ومن ورائها تأتي الأرزاق وتمطر السماء ويعم الخير، وأصبحت عقيدة متغلغلة في قلوب أهالي أفجوي من تاريخ احتلالهم لهذه القرية وبعد الانتهاء من جلاء قبيلة بربر وشيري أي قبل 250 عام.
ولا يتسع المقام هنا لسرد مزيد من العادات والأعياد التقليدية وغير ذلك من الصور المختلفة لحياة المجتمع الصومالي وإنما نكتفي بذكر ما سبق ذكره على أن نلتقي مرة ثالثة في الجزء الثالث لهذا الكتاب، لمعرفة المجتمع الصومالي قديماً وحديثاً على ضوء دراستنا للصومال الإسلامية.
والجدير بالذكر أن بعض هذه العادات والتقاليد قد تهذبت أو اختفت تماماً من أغلب بقاع الأراضي الصومالية، وأصبحت مجرد رمزاً للماضي، وهذا الاختفاء أو التهذيب يرجع إلى الدين الإسلامي نفسه الذي يحارب البدع والخرافات من ناحية وجهود الحكومة الصومالية ورجال الدولة المثقفين في توعية الشعب عن طريق الصحف والإذاعة والمحاضرات والندوات وأحياناً بالقانون لنبذ العادات التي تشين المجتمع الصومالي كمجتمع إسلامي راق.

الأعياد القومية

وقع فخامة رئيس الجمهورية الصومالية في 30 أغسطس سنة 1960 على مرسوم القانون الذي وافق عليه الوزراء والخاص بالبرنامج الجديد لأعياد الجمهورية.
وهذا التدبير ذو أهمية في المحيط الإقليمي للصومال المستقل وذلك لأنه يحل محل البرنامج الذي كان يستعمل أثناء الإدارة الوصية الذي كان يحتوي على أعياد لا تتفق مع حال وبلد إسلامي ذي سيادة كاملة.
وينص مرسوم القانون الذي أصبح ساري المفعول من أول سبتمبر 1960 في الجمهورية والذي تألف من ست مواد على أن يوم أول يوليو يكون عيداً قومياًُ، ويعتبر أعياداً قومية كل الأيام التالية:
أيام الجمع، يوم 15 أبريل ( يوم التضامن الإفريقي )، يوم أول مايو ( يوم العمل )، يوم 26 يونية ( يوم استقلال محمية الصومال )، غرة شهر محرم ( رأس السنة الهجرية )، يوم النيروز ( رأس السنة الشمسية )، غرة شهر شوال ( عيد الفطر )، واليومان التاليان، يوم 10 من ذي الحجة ( عيد الأضحى ) واليومان التاليان، يوم 12 ربيع الأول ( عيد المولد النبوي ) يوم 12 أكتوبر ( عيد العلم )، يوم 14 أكتوبر ( يوم الأمم المتحدة )، يوم 10 ديسمبر ( يوم إعلان حقوق الإنسان ).
وتشر المادة 4 من المرسوم إلى الأيام التي ترفع فيها الأعلام على المباني وهي يوم العيد القومي ويوم 10 أبريل ويوم أول مايو ويوم 26 يونية ورأس السنة الهجرية وعيد النيروز وعيد الأضحى وعيد مولد النبي ويوم 24 أكتوبر ويوم 15 ديسمبر.

Next Post Previous Post