مقال: وجه الصومال الجديد


لمحة عن الصومال

تقع شبه الجزيرة الصومالية في القرن الإفريقي، وجزء بارز ومهما في شرق إفريقيا، وتطلّ على المحيط الهندي شرقا وجنوبا؛ وخليج عدن شمالا.. وتجاور دول محورية في القارة السمراء؛ منها كينيا وإثيوبيا وجيبوتي. وهي تحوز على أطول ساحل في إفريقيا (3,025 كيلومتر تقريبا)، والذي يمتدّ من حدود جيبوتي إلى حدود ساحل كينيا جنوبا.

وكما أنها هي الدولة العربية الوحيدة التي تتوغّل أراضيها نحو جنوب خط الاستواء، و تعتبر أقصى الدول الإفريقية شرقا، وتبلغ مساحتها 637,540 كيلومتر مربع.

ومناخ الصومال عامة هو مناخ صحراوي بالأساس وإن كانت تهبّ عليها الرياح الموسمية مرتين كل عام، حيث تهبّ الرياح الشمالية الشرقية في الفترة ما بين ديسمبر (كانون الأول) وفبراير (شباط) من كل عام؛ مما يساعد على تلطيف الجوّ في شمال البلاد، وإن كان يظلّ حارا في جنوبها.


وتغطيّ السهول أغلب أراضي الصومال مع وجود المرتفعات والتلال في الشمال وتتدرّج في الانخفاض مع الاتجاه جنوبا لتكون هضابا مستوية وشبه مستوية حتى تصل إلى السهول التي تغطّي ما يقرب من ثلثي مساحة جنوب الصومال.

وتهبّ الرياح الموسمية الأخرى في الفترة ما بين مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول)، وهي رياح جنوبية غربية، حيث يبقى الجوّ حارا في الجنوب ويتغيّر إلى خماسيني في الشمال (جو صيفي شديد الرطوبة مع هبوب رياح محملة بالأتربة). ويتخللّ فترتي هبوب الرياح الموسمية فترات غير منتظمة من هطول الأمطار وفترات من الرطوبة والجفاف وارتفاع شديد في درجات الحرارة.

وكذلك تعتبر الصومال من أكثر الدول نشاطا في التجارة في شرق إفريقيا بمختلف أنواعها، ويعتبر ميناء مقديشو وبربرة أهم الموانئ الصومالية ذات الأهمية الإستراتريجية عالميا ومحليا.

وللصومال موارد متعددة منها: الموارد المائية التي تتمثل بنهري جوبا وشبيلي اللذان ينبعان من إثيوبيا. وأيضا لديها أراضي خصبة تصلح لزراعة أنواع غفيرة من المحاصيل الحقلية والبستانية.
الصومال بعيون العالم

يتصوّر للعالم أن الصومال بلد عاصر المشاكل والمشقات بمختلف ظواهرها؛ الطبيعية منها والبشرية، وصارت وسما خاصا يعرف به، ودخل في صدارة قائمة الدول المتخلّفة؛ وحتى الإعلام جعلها نموذجا ومثالا للفوضى والفساد الإداري.. وكل تلك القضايا لم تكن ادّعاءات، وإنما حقائق واقعية حصلت بهذا البلد وأصابته شر إصابة، وصارت عشوائية النظام، وسوء الإدارة من شيم المسؤولين، والقبليّة المقيتة من حظ الغالبية، إن لم يكن الكل.

ومن الغريب الذي كان يصوّره العالم، أن الصومال بلد الوحوش والرعب؛ وأنّ كل من يسافر إليه يتمسّك بترنيمات وأدعية لعله يرجع سالما حيا.. وكذلك تستحضر ذاكرتي عن فلم وثائقي صيني شاهدته قبل سنوات، يتحدّث عن ظاهرة القرصنة وأسبابها، وفي إحدى اللقات يظهر فيها المقدّم وهو يستعدّ للسفر وأهله يودّعونه بتخوّف وحزن على سفره للصومال لعله لا يرجع، وهذا يختصر الصورة النمطية للعالم عن الصومال.
الصومال بوجه جديد
عموما، يتّصف يتّسم الصوماليون بالمثابرة والتجلّد، والتفاؤل اللامحدود مع نكسات الحياة، وتقلّباتها مهما كانت قاسية أو مرعبة، والدليل على ذلك هو ما قدّمه الشعب الصومالي من جهود جبارة وحثيثة من أجل الاستقرار النفسي ومواصلة حياته العادية مع كل ما أصابه من هول الحرب والمجاعة والاضطراب الأمني المستمرّ.

وحتى وصفه الدكتور سمتر في أن المواطن الصومالي كتفاحة متسخة من الظاهر وكأنها بالية لاتصلح للأكل، ولكن إن قمت بتقشيرها تظهر لك الجزء النظيف والظازج والصالح للأكل.. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على عدم فقدان الأمل في نفوس الصوماليين طوال فترة الحرب والمأساة.

ومن ناحية الإدارة السياسية عانى البلد من نزاعات على السلطة من عيون عشائرية بحتة، مما صعب كثيرا على إمكانية بناء الدولة المستقرّة والقوية التي تضمن حياة سياسية ومجتمعية ثابتة. ومن هناك توالت أنظمة انتقالية تم بناؤها من قبل المجتمع الدولي لتسيير سياسة البلاد على أقل تقدير.

وتأخر الأمل كثيرا إلى أن تم الإتفاق على بناء حكومة غير انتقالية والتوجة نحو هيكل حكومي فيدرالي في عام 2012م بقيادة السيد الرئيس حسن شيخ محمود، والتي أحرز في فترة حكمه تطورا جذريا في السياسة والأنشطة التجارية وبناء العلاقات مع دول العالم، ومن أهمها انعقاد مؤتمر إيجاد في مقديشو منذ اندلاع الحرب، وبناء الولايات الفيدرالية‘ وافتتاح بعض الدول سفاراتها بعد غياب دام ما يقارب عقدين أو أكثر من الزمن.

وبعد انتهاء حكومة حسن جاء السيد الرئيس محمد عبد الله فرماجو بعد منافسة حادة في الاتنجابات الرئاسية التي شهدتها في البلاد في مطلع العام 2017، ومن هنا دخلت الصومال مرحلة جديدة في النّمو الإقتصادي وتنشيط التجارة الدّولية، وتطوير البنى التحتية، وذلك بمساعدة دول مثل تركيا التي ساهمت كثيرا وبصورة واسعة في مساعدة الصومال في المجال الأمني والسياسي، ومن أهمها بناء أكبر سفارة تركية في العالم والتي رافقها افتتاح أكاديمية سوما ترك لتدريب وتأهيل الجيش الصومالي.

وقامت تركيا أيضا بتطوير مطار آدم عدى الدولي بالطراز العالمي، وكذلك تطوير ميناء مقديشوا بأسلوب يتواكب مع التطوّر التجاري بالبلاد.

وكذلك أحرزت القوات الصومالية المدعومة من قبل أميصوم انتصارات ملموسة، وذلك في تقويض مناطق سيطرة حركة الشباب، وبسط الجيش الصومالي نفوذه في المناطق الجنوبية من البلاد.
ومن جانب الوعي الاجتماعي، ازدادت الرغبة الجامحة لدى جميع طبقات الشعب ببناء وطن موحّد يحتضنه الصوماليين، والتي قاوموا من أجلها جميع أنواع المآسي والمشاكل، وتصديقا لتلك التطلعات قام صوماليو المهجر العودة إلى الوطن وقيام مشروعات تجارية تنموية، واستقدام أنواع متعددة وخدمات جديدة إلى الوطن، وبصورة ذات الطابع العالمي.

ومما لا ننسى أيضا قيام دول مثل قطر التنسيق مع الحكومة الصومالية، وذلك بقيام مشروعات تنموية واسعة النطاق والمشاركة في تطوير البنى التحية، ومشروعات أخرى عدة.

وأخيرا، لا تخلو أية دولة مهما تطوّرت من جوانب الضعف والهوان، فهي سنة ووسمة إنسانية، ولا تكتمل عند أحد.. ولكن صومال الأمس يختلف عن صومال اليوم، والأمل المتوارث في طريقه إلى الواقع وسترجع المياه إلى مجاريها.. والذي أكده الجميع، بدأت تتغير الصورة النمطية التي كوّنها الإعلام عن الصومال إلى أحسنها طبقا لما يقوم به الإنسان الصومالي لتبليغ العالم رسالة مفادها أن الوطن لم يعد كما كان، وأنه أصبح يأوي المتضررين بالثورة العربية إيفاء للجزاء الديني والإنساني، فهل جزاء الإحسان إلاحسان.

بقلم : محمد الساعدي
أحدث أقدم