تقرير : انتخابات قبلية.. تعرّف على قاعدة 4.5 التي تعيق التعددية الحزبية بالصومال

 

منذ عام 2018، يأمل الصوماليون العودة إلى خوض تجربة نظام التعددية الحزبية، في محاولة لطي صفحة المحاصصة القبلية في تقاسم المناصب السيادية التي طغت على المشهد السياسي طوال العقود الأخيرة.

لكن حتى الآن، لم يُكتب النجاح لهذه التجربة؛ بسبب النموذج الفدرالي الذي تراهن عليه القوى السياسية، خوفا من أن تسفر تلك التجربة عن تغيير المعادلة السياسية في بلد يتعافى من تداعيات حرب أهلية، اندلعت مع انهيار الحكومة المركزية عام 1991.

وتبنى الصومال نظام التعددية الحزبية في ستينيات القرن الماضي لأول مرة، ورغم أن التجربة لم تعمر سوى 9 سنوات؛ بسبب انقلاب عسكري عام 1969، إلا أن كثيرين يعتبرونها الفترة الذهبية للبلاد، حيث كان للشعب حرية اختيار من يحكمه.

وبموجب نظام الانتخابات غير المباشرة المعمول به حاليا، وفي ظل عدم تطبيق التعددية الحزبية انتخابيا، يختار شيوخ القبائل نواب البرلمان، على أن يختار النواب الجدد رئيسا جديدا للبلاد، في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

انتخابات 2021

واستُبعدت الأحزاب السياسية من المشاركة في الانتخابات المقبلة خلال العام الجاري، رغم أن البرلمان أقر قانون الأحزاب السياسية، في أبريل/نيسان 2016، بسبب غياب التوافق بين القوى السياسية، بما فيها رؤساء الولايات الفدرالية، حول تبني نظام التعدد الحزبية في الانتخابات الحالية.

وأول أمس الاثنين، انطلقت في ولاية جنوب غرب الصومال انتخابات جزئية غير مباشرة لمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، في حين أتمتها جوبالاند (جنوب)، الخميس الماضي، ومن المنتظر أن تجري الولايات الثلاثة المتبقية: "هيرشبيلى" و"غلمدغ" و"بونتلاند"، انتخاباتها في الأيام المقبلة، بحسب لجنة الانتخابات الفدرالية من دون تحديد تواريخ


ويتكون مجلس الشيوخ من 54 عضوا، ويمثل الولايات الفدرالية، حيث ينتخب أعضاؤه من قبل برلمانات الولايات الخمسة.

في حين يمثل مجلس الشعب الغرفة الأولى للبرلمان، ويبلغ عدد أعضائه 275، وينتخبه نحو 30 ألف ناخب، وفق نظام قبلي يحوز توافقا سياسيا ولا يرتبط بعدد السكان.

وتأجلت الانتخابات البرلمانية والرئاسية أكثر من مرة؛ بسبب خلافات سياسية بين الحكومة المركزية من جهة والولايات والمعارضة من جهة ثانية بشأن كيفية إدارة مجرياتها، قبل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة في مايو/أيار الماضي

تحول سياسي

ووفق محللين، فإن مصادقة البرلمان على قانون الأحزاب السياسية كانت بمثابة تحول قد يمهد الطريق لإنهاء حقبة المحاصصة القبلية، أي قاعدة 4.5

وتم استحداث هذه القاعدة في مؤتمر المصالحة الصومالية بجيبوتي عام 2000 لتكون معيارا لتقاسم السلطة، وهي تعطي 4 قبائل صومالية رئيسية حصة كاملة، في حين تتقاسم القبائل الباقية مجتمعة نصف حصة.

وقال حسين عبدي، عضو مفوضية الانتخابات -للأناضول- إن نظام التعددية الحزبية، الذي أقره البرلمان، كان يستهدف إعادة الصومال إلى مسار الأحزاب السياسية، بعد نحو 50 عاما، ومن أجل تجاوز قاعدة 4.5، التي تتقاسم على أساسها المناصب طوال السنوات الماضية.

وأضاف أن تشكيل الأحزاب السياسية أظهر حاجة البلاد الماسة لتجاوز المحاصصة القبلية، التي تهمش بعض شرائح المجتمع، حيث بادرت معظم القوى السياسية إلى تشكيل أحزاب سياسية استعدادا لخوض الانتخابات المقبلة، بالرغم من ضعف تأثيرها في العملية السياسية.

ورأى أن عملية انتقال البلاد إلى نظام التعددية الحزبية تحتاج إلى توافق بين القوى السياسية، لكن الأطراف المعنية لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق شامل حول آلية تطبيق نظام الأحزاب في الانتخابات الحالية.

وأرجع ذلك إلى سببين: سياسي واجتماعي، أما السبب السياسي فهو اعتقاد معظم رؤساء الولايات الفدرالية أن تبني نظام الأحزاب السياسية أمرا سابقا لأوانه نظرا للواقع الذي تمر به البلاد، وأنه قد يصب لصالح النظام (المركزي) الحاكم.

والسبب الاجتماعي -بحسب عبدي- يتمثل في هاجس يثير مخاوف بعض القبائل بشأن نظام التعددية الحزبية، حيث تراه واجهة لفئة معينة تهدد مصالحها، وليس أحزابا ذات توجهات سياسية ورؤى وطنية

وفي 2018، وافق رؤساء الولايات الفدرالية والحكومة المركزية على تطبيق نموذج الاقتراع الحزبي في انتخابات 2021، لكن رؤساء الولايات تراجعوا عنه بذريعة ضيق الوقت وعدم إمكانية إجراء انتخابات حزبية في ظل غياب أرضية مناسبة

 تحديات جمة

وقال رئيس حزب "هلدور" عبد القادر محمد، إن الأحزاب السياسية في الصومال تخطو أولى خطوتها حتى تصبح أحزابا رسمية قد تساهم في رسم خريطة سياسية ديمقراطية، على غرار دول العالم، بدلا من نظام المحاصصة القبلية، لكنها تواجه تحديات جمة قد تجعل من الصعب تحقيق أهدافها في الوقت الحالي.

وأضاف أن الانتقال نحو نظام التعددية الحزبية فكرة واردة لا خلاف عليها في البلاد، "لكن علامة الاستفهام تظل تدور في مخيلة كثيرين: هل حانت لحظتها أم أنها تجربة سياسية لم يحن أوانها بعد، وهو ما يحول دون مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات الحالية".

وتابع "تطبيق نظام الأحزاب السياسية يتطلب إجراءات مدروسة وأرضية مناسبة، وهو ما لم يتوفر حتى الآن".

ورأى أن الأحزاب السياسية الموجودة حاليا لا تعدو كونها في المرحلة الأولية، وتمهد الطريق إلى مرحلة أخرى قد يكون لديها أثر بالغ في العملية السياسية.

وحول التحديات أمام الأحزاب في الصومال، تحدث محمد عن 4 محاور، منها التأثير القبلي السائد لدى شرائح المجتمع، حيث ترى القبيلة أنها صمام أمان لتحقيق مصالح أفرادها، وهو ما يجعل من الصعب على المرء الخروج بسهولة من حاضنة قبيلته وانضمامه إلى أحزاب سياسية.

وأوضح أن المحور الثاني هو غياب المعايير الحزبية لدى الأحزاب السياسية التي تشكلت في البلاد، نتيجة قلة الوعي السياسي لدى المجتمع بسبب تفشي الأمية بنحو 80%.

وثالثا، التحدي الأمني، فلا تزال بعض المناطق خاضعة لسيطرة حركة الشباب الصومالية.

أما المحور الرابع، وفق محمد، فهو التحدي الجيوسياسي؛ فإدارة صوماليلاند (إقليم أرض الصومال) ترى نفسها مستقلة عن باقي الصومال، وتمثل تحديا كبيرا أمام نشر نظام التعددية الحزبية في البلاد.

مستقبل الأحزاب

وبحسب المحلل السياسي أحمد عينب، فإن المجتمع الصومالي بمختلف شرائحه مستعد لخوض تجربة نظام الأحزاب السياسية 

وعزا عينب ذلك إلى أن التطورات السريعة في البلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا لا تتناغم مع استمرار نظام المحاصصة القبلية، وهو يعتبر بالنسبة للصوماليين جزءا من الديمقراطية، لأنه كان السبيل الوحيد لإعادة نظام الدولة بعد انهيار الحكومة المركزية عام 1991.

وأردف أن تجربة الأحزاب السياسية قد تبدو جديدة نوعا ما في الصومال، وقد تتطلب مزيدا من الوقت لتطبيقها، لكن اللافت للانتباه هو وجود حماسة كبيرة داخل المجتمع لنظام الأحزاب السياسية.


وحول تشكل أحزاب كثيرة في البلاد، رجح عينب أن معظم تلك الأحزاب ستتلاشى مع الوقت، فالكثير منهما تحمل الأفكار والأجندة نفسها وقد تتحد مع مرور الزمن، وربما تنحصر الأحزاب في المستقبل القريب في 4 أحزاب رئيسية ذات أيدولوجيات مختلفة.


ورأى أن التوجه الجديد الذي يندفع نحوه المشهد السياسي، وهو الأحزاب السياسية، سيكون بديلا مناسبا للنظام القبلي الذي يهيمن على مجريات السياسية الصومالية، ومع الوقت سيرتفع الوعي السياسي لدى المجتمع بشأن نظام الأحزاب، مما يؤدي إلى تجاوز قاعدة 4.5، وعودة الكلمة الفاصلة للشعب ليختار من يدير البلاد.




المصدر : وكالة الأناضول
Next Post Previous Post