الصومال: خطوة أخرى تجاه التحول إلى دولة نفطية


خطت الصومال خطوة أخرى تجاه تحقيق هدفها المتمثل في التنقيب عن النفط في المياه العميقة في المحيط الهندي، وذلك بإنشاء الهيئة المشرّعة والمنظمة التي تشرف على نشاط النفط والغاز.

وينص قانون النفط المعدل الذي تم التصديق عليه في فبراير/ شباط الماضي، على إنشاء هيئة لتنظيم نشاط النفط والغاز، وفقًا “لمبادئ المساواة والانفتاح والمساءلة والشفافية وعدم التمييز لصالح جميع الشعب الصومالي”.

وبناء على ذلك، اختارت وزارة البترول والثروة المعدنية الصومالية أول أمس أعضاء مجلس إدارة هيئة النفط الصومالية، وعينت إبراهيم علي حسين كأول رئيس للهيئة التنظيمية، وذلك قبل إطلاق دورة الترخيص بأسبوع، والتي ستبدأ الثلاثاء المقبل.

ويتمتع حسين بخبرات واسعة في مجال النفط والغاز، حيث عمل كمستشار اقتصادي أول للوزارة، لعب خلالها دورا فعالا في إصدار التشريعات اللازمة لتنظيم عمليات الاستثمار والتراخيص في ستة مربعات بحرية، والإشراف على حل الخلاف الحدودي في المياه الإقليمية مع كينيا.

يقول حسين: “إن الهدف الأول للهيئة هو ضمان قدرة النظام المالي والتنظيمي على المنافسة دوليا لجذب الاستثمار، وإن مستوى الاهتمام بأول دروة للترخيص يدعم ما نقوم به”.

من جانبه قال عبد الرشيد محمد أحمد، وزير البترول والثروة المعدنية، “إن إنشاء هيئة النفط الصومالية يمثل أول الخطوات الأساسية لتطبيق قانون النفط، والذي تواكب مع بداية أنشطة الاستكشاف في البلاد”. موضحا: “أن الوزارة والهيئة ستعملان معا لتطبيق رؤية الحكومة لتطوير قطاع النفط والغاز في البلاد”.

الخطوات السابقة

كان الوضع الأمني في البلاد والقلاقل السياسية العائق الأول والمستمر في جذب شركات النفط العالمية للاستثمار في الصومال. ومع الاتسقرار النسبي في السنوات الأخيرة، حاولت الحكومة الصومالية التحرك لجذب هذه الاستثمارات إلا أنها واجهة مصاعب جمة، أهمها أنها حكومة فدرالية وموافقة الولايات المختلفة أمر أساسي لأي تحرك حكومي.

وبعد سنوات من المباحثات، تم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والولايات على تقاسم إيرادات النفط. وبموجب اتفاقية إدارة ملكية البترول وتقاسم الإيرادات مع الولايات المعنية، فإن الموارد المعدنية والطبيعية مملوكة من الشعب الصومالي ويجب تقاسم عائدات النفط والغاز في المستقبل بين الحكومة الفيدرالية والولايات الستة ومجتمعاتهم المحلية. بعد هذا الاتفاق وتبنّي قانون النفط المعدل والمصادقة عليه في بداية العام.

كما تم إنشاء شركة النفط الوطنية الصومالية، والتي ستشارك في العمليات النفطية. وتبقى مشكلة الخلاف الحدودي في المياه الإقليمية مع كينيا تمثل تحدياً كبيرا، خاصة أن شركة توتال الفرنسية تركت مربع 22 المختلف عليه مع كينيا  تفاديا لأي تكاليف إضافية أو مشاكل سياسية.  

وفي شهر مايو/أيار الماضي، ثم الإعلان عن طرح 7 مربعات للمناقصة، من أصل 15.  والواقع أن طرح 7 بدلا من 15 يعكس مرونة الحكومة وتفهمها للوضع الاقتصادي لصناعة النفط العالمية من جهة، وتفهمها للوضع السياسي في المنطقة من جهة أخرى. فانخفاض أسعار النفط أجبر شركات النفط العالمية على تخفيض إنفاقها، وبالتالي فليس لديها الرغبة في استثمارات كبيرة إذا تم عرض جميع المربعات.  وإذا ماقامت الحكومة بعرض كل المربعات ولم تهتم الشركات إلا بجزء منها فإن هذا سيكون محرجا للحكومة، وسيكون عرض المربعات غير المرغوبة مستقبلا أصعب بكثير.  أما من الناحية السياسية فمن الواضح أن المربعات السبعة المختارة تتلافى المربعات المختلف عليها مع كينيا، وربما بعض المربعات التابعة لولايات معينة داخل الصومال التي مازالت تتخوف من نوايا الحكومة الفدرالية.

وبالنسبة للقانون الذي يحكم استثمارات النفط، فإنه من الواضح أن الحكومة الصومالية استفادت من خبراء عالميين في هذا المجال، وتم صياغة القانون بشكل مرن جذّاب للمستثمرين. فالريع يتراوح بين 5% و 35% بناء على أسعار النفط، مع نظام  مشاركة في الأرباح مبني على ربحية الشركات، وهذه طريقة تفضّلها الشركات الأجنبية مقارنة بالنسب الثابتة للريع والأرباح. والريع هو العائد الذي يحصل عليه مالك المصدر الطبيعي من أي طرف أخر يريد استغلال هذا المصدر.

نتائج إيجابية

كانت النتائج التي توصلت إليها شركة سبيكتروم من دراستها الزلزالية الثنائية الأبعاد في 2015 في المياه الصومالية مشجّعة.  وأكد ذلك شركة تي جي إس للدراسات الطبوغرافية والسطحية التي قدرت الموارد النفطية بـ30 مليار برميل.

وغطت الدراسة التي قامت بها الشركة المربعات البحرية السبعة المعروضة للمناقصة.  وهناك تقديرات مختلفة لكميات النفط في المنطقة منشورة هنا وهناك، إلا أن الملاحظ أن التقديرات الكبيرة تمثل المصدر: الكمية الكلية للنفط في المنطقة، وليس الاحتياطيات التي يمكن استخراجها،  حيث أن الاحتياطيات التي يمكن استخراجها هي عادة جزء بسيط من المصدر الموجود.  كما أن هناك بعض التقارير الصحفية التي أخطأت في الوحدة فاستخدمت “ترليون” بدلا من “مليار”.  إلا أنه بدون حفر آبار استكشافية، لا يمكن معرفة الحقيقة.

الجدل بسبب رئيس الوزراء

تضمنت المشاكل بين الولايات والحكومة الفدرالية عقد وقعته الحكومة الصومالية مع شركة بريطانية اسمها “صوما أويل”، منحت عقوداً في 2013 لإجراء مسح زلزالي، ولكن تبين أن العقد يمنح الشركة حق التفاوض بـ12 مربعا في المياه الصومالية في المحيط الهندي تختارهم الشركة للتنقيب عن النفط!  المشكلة أن رئيس الوزراء حسن علي خيري، والذي أصبح رئيسا للوزراء في 2017، كان أحد المسؤولين في هذه الشركة قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، وهذه الشركة يمولها الملياردير الروسي الأكساندر دجبارتزي! ليس هذا فحسب، شركة تي جي إس المذكورة أعلاه شركة نرويجية، وحسن علي خيري نرويجي الجنسية.

وصوّت البرلمان الصومالي منذ حوالي أسبوع على سحب الثقة من رئيس الحكومة بأغلبية ساحقة ( 170 إلى 8 ) لفشله في إنشاء قوة وطنية أمنية للحفاظ على أمن البلاد.  وأعلن محمد عبد الحي محمد، رئيس الصومال، أنه سيعين رئيسا للوزراء في أقرب وقت خلفاً لخيري.

مفارقة قانونية لطيفة

بدأت شركات شل وإني وإكسون-موبيل التنقيب عن النفط في المنطقة في الثمانينات، إلا أن الحرب الأهلية التي بدأت وقتها أجبرت الشركات على مغادرة المنطقة، الأمر الذي نتج عنه تجميد كل عمليات التنقيب فيها.

قامت الحكومة الصومالية في الشهور الأخيرة بالاتصال بهذه الشركات وأخبرتهم بأن العقود القديمة مازالت سارية المفعول.   وأكد مدير قسم التنقيب بالوزارة عبد القادر أبيكر حسين احترام الصومال الاتفاقيات المبرمة بينه وبين شركات النفط قبل 1991، وأبرزها ثلاث شركات أميركية هي كونوكو فيليبس وإكسون موبيل وشيفرون، وشركة رويال داتش شيل الهولندية، وشركة البترول البريطانية بي بي.

ووقّعت حكومة الصومال “خارطة طريق” مع شل وإكسون موبيل في شهر مارس الماضي. ووافقت الشركتان…. ولكن!  موافقة الشركات تعني استمرار العقود القديمة، والشركات لم تدفع الإيجار طيلة هذه الفترة، الأمر الذي أجبر الشركتين على دفع مبلغ 1.7 مليون دولار كمستحقات إيجار متأخرة!  طبعاً المبلغ بسيط بكل المقاييس في صناعة النفط العالمية.

أما شركة إيني، فبقيت تنتظر لأن المربع الذي يخصّها متنازع عليه مع كينيا، وليس ضمن المربعات السبعة المعروضة للترخيص.

أهم التحديات المستقبلية

قد يرى البعض أن أهم تحدٍ مستقبلي لصناعة النفط في الصومال هو عدم الاستقرار السياسي، حيث أن أي تغيير سياسي يؤدي إلى خسارة كل المكاسب السابقة، وقد يؤدي إلى رحيل الشركات كما رحلت من قبل.

ويرى البعض أن موضوع توزيع الإيرادات بين الحكومة الفدرالية والولايات والمجتمعات المحلية سيبقى مشكلة حتى يتم حسم هذا التقسيم تماما و يرضي جميع الأطراف.

ويرى آخرون أن الخلاف الحدودي مع كبينيا سيحد من توسع الصومال نفطياً، واي تطور في هذا الخلاف سيؤدي إلى توجيه الإيرادات النفطية إلى لتعزيز موقف الصومال أمام كينيا عسكرياً.

ويرى آخرون أن موضوع القرصنة في المنطقة يهدد الجميع، يما في ذلك أي منصات أو منشآت نفطية، وأي قوارب قد تستخدمها الشركات لنقل عمالها ومنسوبيها، واي حاملات نفط تنقل النفط من المنطقة.

إلا أن التحد الأكبر من كل ماسبق هو تفادي “نقمة النفط” في حالة اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز، وعدم تحول الصراع الذي شهدته الصومال في الماضي إلى صراع من نوع جديد، يجعل منها “نيجيريا” أو “أنغولا” أخرى.  هنا، قد يكون للعلاقات مع “النرويج” دور أكثر إيجابية من العلاقات السابقة!

Next Post Previous Post