مسنة صومالية.. متحف تراثي يمشي على الأرض


الأناضول
السبعينية زهرة حسين جمعت عشرات القطع الأثرية والتراثية من مختلف أنحاء البلاد، داخل منزلها بالعاصمة مقديشو، والذي أصبح بمثابة متحف أثري يضم قطع تنتمي للعديد من العصور والأزمنة القديمة

لم يمنعها سنها المتقدم، من الاستمرار بممارسة هوايتها وولعها بالاهتمام بالتراث الصومالي منذ طفولتها، وأخذت تبحث عن القطع الأثرية في شتى أنحاء البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

بحث تمخض عنه العثور على عشرات القطع التي جمعتها السيدة زهرة حسين، التي يطلق عليها "ماما زهرة"، داخل منزلها بالعاصمة مقديشو، والذي أصبح بمثابة متحف أثري يضم عشرات القطع التراثية التي تنتمي للعديد من العصور والأزمنة القديمة.

وتعرضت بعض هذه المعالم التاريخية والقطع الأثرية التي كانت موجودة في العاصمة مقديشو وغيرها من المدن للنهب والتدمير أثناء الحروب الأهلية التي شهدتها البلاد طيلة عشرين سنة ماضية، عقب انهيار الحكومة المركزية عام 1991.

وفي حديثها للأناضول، تقول السبعينية "ماما زهرة"، كما تحب أن يطلق عليها، إنها كانت تهتم بالتراث الصومالي منذ نعومة أظافرها، وكانت تجمع الأدوات التقليدية القديمة في بيتها قبل الحرب الأهلية.

وبعد انتهاء تلك الحرب، واستقرار الأوضاع في البلاد، عاودت "ماما زهرة"، نشاطها من جديد واستأنفت رحلة البحث عن جمع هذه الأغراض كي تمد وتغرس في نفوس الجيل الصومالي الجديد مفاهيم الانتماء الوطني حتى وإن قذفت بعضهم الأقدار إلى المهجر، وفق قولها.
وتابعت: "حوّلت جزءًا كبيرا من بيتي في حي عبد العزيز وسط مقديشو، إلى متحف يجد فيها الزائر مقتنيات متنوعة، وما كان يستخدمه الصوماليون القدماء في حياتهم من أدوات المعيشية وحتى آلات الحرب القديمة".
مبادرة المسنة الصومالية، هدفها "إحياء التراث الثقافي في البلاد، بغية إتاحة فرصة للجيل الجديد للتعرف على ثقافة وتاريخ أجدادهم"، حيث تسببت تداعيات الحرب في أن تبقى الأجيال الحالية بلا مرجع ثقافي يمكنهم من ملامسة عبق أزمنة تاريخ بلادهم.

ووفق زهرة، فإن شغفها بالتراث الثقافي ليس وليد اللحظة، بل إن علاقتها بتاريخ الأجداد بدأت عندما كانت طفلة تتردد في متاحف البلاد والأماكن القديمة والتاريخية مع عائلتها في خمسينيات القرن الماضي.

لكن بعد انهيار الحكومة المركزية واندلاع الحرب الأهلية، انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتبدأ حياة جديدة تنقصها كل معاني الحياة بالنسبة للكبار، حيث البعد عن الوطن بتراثه وثقافاته، بحسب المتحدثة.

بعد سنوات من الغربة، حنين الوطن أعادها إلى البلاد قبل سنوات، لتطلق مرحلة جديدة لجمع ما تبقى لها من أدوات تاريخية وقطع أثرية نادرة، سعيا لإضافة كنوز من تاريخ البلاد في مختلف الأزمنة والعصور الماضية، إلى متحفها الشخصي.

** أموال من أجل ثقافة الأجيال

لم يكن في مخيلة أحد أن الكنز التراثي من مئات القطع الأثرية والمواد النادرة التي تتزين بها جدران وزوايا غرفة في منزلها كانت نتيجة عملية جمع استغرقت سنوات، بحسب حديثها للأناضول.

وعن آلية جمع تلك القطع، أوضحت زهرة، أنها أوفدت عشرات الأشخاص إلى جميع الأقاليم الصومالية للعثور على القطع الأثرية التي تعكس حياة الصوماليين في البوادي والمدن في السلم والحرب مقابل مبلغ مالي قد تحدده نوع القطع وأهميته في التراث والتاريخ القديم للبلاد.

ويزورها بشكل دوري أشخاص في منزلها، وهم يحملون على ما عثروه من قطع أثرية، علّهم يجدون مبلغا ماليا يسدون به رمق حياتهم، فتختلف الأسعار بين القطع الأثرية التي جلبها هؤلاء.

** يوميات مع الإرث الثقافي

وتقضي "ماما زهرة"، يومياتها في متحفها الشخصي الذي يضم كنزا من التراث الصومالي القديم من تحف قديمة ولوحات تراثية، وأدوات منزلية، وحربية، ووسائل الرعاة، والنقود، وبعض رؤوس الحيوانات النادرة التي اندثرت جراء الحروب.

كما يضم المتحف أيضا، آلات موسيقية وأخرى حربية نادرة، إضافة إلى حلى واكسسوارات نسائية استعملتها الصوماليات منذ قرون مضت.

كعمل روتيني تقاسم الحاجة زهرة حياتها مع التراث الثقافي في بلادها والتي تؤنس وحدتها ليل نهار، حيث تقوم هي واثنان من عمال النظافة بترتيب القطع الأثرية ووضعها في أماكن مناسبة وتنظيفها.

لاتزال "زهرة" تستعيد ذكرياتها الماضية لأماكن ومناطق تاريخية قد أزيلت من الوجود نتيجة أزمات مرت بها البلاد من خلال وجود بعض آثار تلك المناطق في متحفها الشخصي.

وتشدد السيدة الصومالية، على أن الحرب في الصومال أثرت سلبا على كل شيء وقلّ من يهتم بالتراث، حيث يواجه الجيل الجديد أزمة هوية، مشيرة أن مبادرتها تستهدف هذا الجيل ليعرف كيف كان أجدادهم يعيشون.

وأطلقت الحكومة الصومالية منذ منتصف العام الماضي حملات وطنية طوعية لإعادة إحياء وترميم الأماكن الأثرية والقديمة في العاصمة مقديشو، بينها المتحف الوطني الذي دمرته الحرب الأهلية.
Next Post Previous Post