مقال : لماذا يصل الرجال غير الأكفاء إلى #السلطة دائمًا؟ يشرحه عالم نفس



ماذا يجد الرجال غير الأكفاء طريقهم بسهولة إلى السلطة؟ يوضح عالم النفس التنظيمي توماس تشامورو–بريموزيك الأسباب التي تجعل مجتمعاتنا تُنتج هذه النماذج باستمرار، ويُعطي في المادة المستخلصة من حديثه في «TED» لمحةً عن الخطوات اللازم اتباعها لتحسين نوعية قياداتنا.

قيادات دون كفاءة

هل سبق وجرّبت العمل لصالح مسؤولين أو قياديين ليسوا أكفاء أو جيدين كما يعتقدون؟ يقول مؤلف كتاب «لماذا يصبح الكثير من الرجال غير الأكفاء قادة؟» توماس تشامورو أن النسب الإحصائية تدلّ على انتشار هذه النماذج بين الذكور أكثر من الإناث، وهي نتيجة لا تثير التفاجؤ لمعظمنا. يغترّ الرجال عادةً بمواهبهم أكثر من النساء، يصادفون نجاحًا أكبر في حيواتهم المهنية أيضًا. فالأمر يمكن وضعه كالتالي: من أفضل الطرق لخداع الآخرين لدفعهم أن يعتقدوا بأنك أفضل مما أنت عليه بالفعل هو خداع نفسك أولًا.

ماذا يتبوّأ غير الأكفاء القيادة؟

يستنتج تشامورو في أبحاثه أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة وراء وصول الرجال غير المؤهلين للقيادة:

1– انعدام قدرتنا على التمييز بين الثقة والكفاءة: نميل عادةً – في مختلف الثقافات والبلدان – إلى افتراضِ أن الأشخاص الواثقين لديهم إمكانات أكبر للقيادة، لكن الواقع يقول أنه في أيّ مجال كان – بما في ذلك المجالات القيادية – لا يوجد سوى تداخل ضئيل للغاية ما بين الثقة (إلى أيّة درجةٍ يعتقد أحدهم ببراعته في شيءٍ ما) والكفاءة (مستوى براعته في هذا العمل على أرض الواقع).

2– حُبّنا للشخصيات المتمتّعة بالكاريزما: يقول تشامورو أننا نميل لحبّ الأشخاص ذوي الجاذبية والحضور القوي (الكاريزما)، وهو أمرٌ زاد مع انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية في الستينات وتضاعف أكثر مع دخولنا العصر الرقمي الحديث ووسائطه ومنصاته المختلفة. يبدو أننا نريد قادةً جاذبين وممتعين، لكن هناك فرق كبير بين القائد الفعال وبين الممثل الكوميدي. في الواقع، يتحلّى أفضل القادة عادةً بالتواضع أكثر من الكاريزما، تواضع يصل لنقطة الملل حتى.

لهذا السبب نادرًا ما يُعرض هؤلاء النوع من القادة في الأفلام والعروض التلفزيونية. يضرب تشامورو هنا مثالًا: تخيل فيلمًا عن أنجيلا ميركل، تستيقظ، تتناول وجبة الإفطار مع زوجها، تذهب إلى اجتماعاتٍ جيدة الإعداد، تسمح للآخرين بالتحدث دون مقاطعة، تتخذ قراراتٍ عقلانية، وهذا كله مصحوب بسيرة حياةٍ لا فضائح فيها. يقارن تشامورو ذلك بالمثالِ النقيض، القادة ذوي الكاريزما والجانب المظلم الساحر بسيرهم الذاتية المليئة بالتفاصيل الدرامية، وطرقهم بالتعامل التي تنتهي عادةً بتدمير البلدان والمنظمات.

3– قصور مقاومتنا لجاذبية الأفراد النرجسيين: يُدرِج تشامورو هذا الأمر سببًا ثالثًا لوصول الرجال غير الأكفاء للسلطة، إذ نُعجب بالأشخاص المشهورين والنرجسيين ممن يحملون تصوراتٍ متعالية تتغذى على نرجسيتنا نحن. وقد تنامت منذ عقود فكرة الإعجاب والوقوع بحبّ الأشخاص المشهورين فقط لكونهم مشهورين، ويستفيض تشامورو قائلًا: إن لو بقي الحال على هذه الوتيرة فستنظر الأجيال المقبلة إلى كيم كاردشيان وكانييه ويست متعجّبين: «ياه! كم كانوا متواضعين!».

تركّز الكثير من نصائح تعلّم فنون القيادة والإدارة – مثل حال الدورات المعنونة بـ«كيف تصبح قائدًا؟» – على تغذية وتشجيع مبدأ العقلية النرجسية: «لا تهتمّ بما يعتقده الناس عنك» أو «أنت رائعٌ إذا ظننت أنك رائعًا». لسوء الحظ، يُنتج هذا فيضًا من القادة الجاهلين لحدودهم والمعجبين بأنفسهم دون مبرر. يرى هؤلاء أن القيادة استحقاق لهم ويفتقرون إلى التعاطف وضبط النفس، ولذا ينتهي بهم الأمر إلى التصرف بانعدام ضمير والانغماس في المخاطر بطيش. بالمقابل، يبقي النخبة من القادة نرجسيتهم تحت السيطرة، ويهتمّون بالأشخاص الآخرين كثيرًا وبما يفكرونه عنهم ويقضون وقتًا طويلًا في القلق بشأن سمعتهم ولذا تقلّ الفضائح في سيرهم.


كيف نوقف وصول الرجال غير الأكفاء للسلطة؟

يقترح تشامورو عدة خطوات يجب اتّباعها لمنع وصول غير المؤّهلين للمناصب الإدارية والقيادية، يتمثل أولها باتّباع الإشارات والسعي وراء الصفات الجيدة التي تُنتج قادة جيدين حقيقيين. يوجد تنافرٌ مرضيّ ما بين الصفات التي تغرينا لدى القادة عادةً وما بين الصفات اللازمة لصناعة قائد حقيقي.

إذا ما أردنا تحسين أداء القادة علينا التركيز على السمات الصحيحة، وبدلًا من السقوط في فخ الأشخاص النرجسية والكاريزمية، علينا تشجيع من يتمتّعون بالكفاءة والتواضع والنزاهة. وهو ما يمكن أن يؤدي طبيعيًا إلى ارتفاع نسبة القادة الإناث وفقًا لكلام تشامورو، إذ أظهرت الدراسات العلمية الموسعة إحراز النساء درجاتٍ أعلى من الرجال في مقاييس الكفاءة والتواضع والنزاهة، لكن النقطة الأهم هنا هو النتيجة المتمثلة بتحسّن كفاءة الزعامات والمسؤولين لدينا إلى حدٍّ كبير.

يكمن الحلّ الثاني في الابتعاد عن الثقة في غرائزنا. فمعظمنا يحب اتّباع الحدس، ولكن لا يكون هذا الأسلوب جيدًا في أغلب الأوقات. يشبّه تشامورو هذا بحسّ الدعابة، إذ يعتقد 90% من الناس بامتلاكهم حسّ فكاهةٍ عظيم، لكن كم من الناس مضحك فعلًا؟ تقل النسبة بكثير. يوجّهنا هذا الحلّ لتقليل التركيز على الانطباعات التي يصنعها الأشخاص أثناء المقابلات الوظيفية أو الإعلامية؛ إذ لا تمثل هذه المقابلات سوى دعوة مباشرة لإظهار تحيزاتنا وأحكامنا المسبقة. حتى ولو تحلّينا بالنوايا الحسنة، يبقى عسيرًا التغلب على ما نمتلكه من تحيّز مسبق، وحتى تدريب التحيّز اللاشعوري لا يستطيع إخفاء أمور من قبيل أن الذي أمامك أبيض البشرة، أو أنثى، أو جذاب. في الواقع كلما حاولت قمع أفكار معينة في عقلك كلما طفت وظهرت على السطح أبرز وأقوى حضورًا.

يضيف تشامورو ضمن مخطط تحسين نوعية قادتنا وجوب مساعدة نساء أكثر للوصول إلى المناصب القيادية، وبالتالي تغيير نوعية معاييرنا أثناء اختيار النساء. بمعنى أنه لا يجب الطلب من النساء التصرّف مثل الرجال غير الأكفاء السابق ذكرهم، مثل قضاء وقتٍ أكبر في الترويج الذاتي أو الدفع بمصالحهن الشخصية. ويرافق ذلك بالطبع عدم استبعاد الرجال ممن يفتقرون إلى السمات الذكورية التقليدية المتوافقة مع نماذجنا المعيبة التقليدية عن القادة.

بقدرِ ما نعمل على هذه الخطوات نفسح المجال لقادةٍ أفضل وأكثر كفاءة، ومع ذلك فإن التقدّم يبدأ بكل واحد منا. إذا كنا نريد تحسين مستوى كفاءة قادتنا علينا أولًا تحسين كفاءتنا في الحكم على القادة واختيارهم، خاصة حينما يكونون رجالًا.

بقلم :عفاف محمد
نقلا عن: ساسة بوست
Next Post Previous Post