هل دشنت بونتلاند نموذجاَ صومالياً في مكافحة الإرهاب؟


شنّت حركة الشباب هجوماً منظماً ومفاجئاً وهو الأول من نوعه على مناطق ساحلية من ولاية بونتلاند من حيث عدد المقاتلين، والسرعة القياسية التى قطعت بها المجموعة التابعة للحركة تلك المسافة التي تمتد إلى 300 كم؛ ما يوحي بأن ثمة جهة ما كانت تعلم تحركاتهم أو ساهمت – بشكل أو بآخر – في تغطية مرور 500 عسكري إلى منطقة غرعد ومن ثم إلى غدب جيران، وذلك قبل أن نتساءل لماذا لم يتأهب جهاز الأمن والاستخبارت البونتي لوصولهم إلى مناطقهم؟

ذهب كثير من المحليين في تفسيرهم لهذه الهجمة المباغتة بأن حركة الشباب أرادات فتح جبهة جديدة، تكون لهم “ملاذاً آمناً” لا سيما بعد الغارة الجوية على منطقة راسو التابعة لمحافظة هيران، وهجوم القوات الصوماليّة على قاعدة أو طيغلي العسكرية مع مساعدة القوات الأمريكية، وبعد نهاية العملية العسكرية نجد أن هذا التحليلُ الرومانسيّ لم يكن واقعيا، وذلك بعد أن أعلن أفراد من أسرى في العملية ردع قوات حركة الشباب الأخيرة لوسائل الإعلام: بأنهم خضعوا لتدريبات عسكرية، قبل أن يتجهوا إلى مدينة حرر طيري التى تحركوا من ضاحيتها الجنوبية إلى بونتلاند، وذلك لكى يحققوا أهدافهم المخططة لها سابقاً. فقد وسعت الحركة نطاق تواجدها خلال الأسابيع القليلة الماضية، في كلٍّ من محافظة شبيلي السفلى ومحافظتي غدو وجوبا العليا، ما ينسف نظرية” الملاذ الأمن” السابقة

وبعد أن توقف الحرب وأعلنت إدراة بونتلاند دحض القوات الغازية عن أراضيها، وخلال فترة لا تتجاوز أسبوعاً واحداً فقط، حيث وصلت الخسائر التى نتجت عن المواجهات 100 قتيلا من حركة الشباب- كما أعلنت بونتلاند – وأسر أربعين مقاتلاً أغلبهم أطفال في مقتبل العمر، بينما فرّ ت فلولهم إلى المناطق التابعة لإدارة غلمدغ التي أعلنت مؤخراً القبض على الفارين

نتوقف هنا لتقديم عدد من الدروس التى يجب أن يستفيد منها كل من يريد أن يحقق نصراً على حساب حركة الشباب المنتمية إلى تنظيم القاعدة منذ عام 2012م، وعلى رأسهم الحكومة الفيدرالية الصوماليّة، إذ يجدر بهم دراسة الأسباب التى رجحت كفة الحرب لصالح بونتلاند، وكيف تمكنت “إدرة فيدراليّة” من القيام بما عجزت عنه القوات الأفريقية والجيش الصومالي معاً في وقت وجيز

الإعداد النفسي للشعب والقوات المسلحة: قبل أن تطلق بونتلاند رصاصة واحدة على المجموعة المسلحة التي توغلت إلى أرضها؛ أعلنت أنها ستبيدهم خلال ثلاثة أيام – 72 ساعة – فقط، مما أثار موجة من السخرية في وسائل الإعلام، وظن البعض أن مسؤولي بونتلاند ليست لديهم أدنى معرفة بحركة الشباب، ولكن التحديد الزمني للحرب – في الواقع- ساهم في تحقيق قوات بونتلاند هدفها، و كان بمثابة عامل ضغط عليهم، وبثّ الرّعب في روع المعتدين على بونتلاند، ولعب التلفزيون المحلي البونتلاندي دوراً في تعبئة السّكان، ببثّ أغاني ومقاطع تحفز جميع أطياف الشعب للمشاركة في الحرب كلّ بقدر استطاعته

استراتيجية الحرب المحدودة: أن الحرب على الحركة الشباب أو أيّ كيان يجيد التكيف في ظل الظروف الصعبة لا يمكن هزيمته إلاّ بانتهاج حرب محدودة، تسخر فيه الدّولة بعض مواردها البشرية والمادية والعسكرية لتحقيق هدف محدد، ولا تراجع حتى تحقيق الهدف بدون التسبب بنتائج كارثية وخسائر بشرية ومادية فادحة. وقد كان الهدف المحدد فيما يبدو: (استنزاف المقاتلين) وعدم السّماح لهم بالانتشار وخلق بؤر لهم في بونتلاند. لذا تزامنت شرارة الحرب مع تعبئة المجتمع، سواء عبر منابر المساجد أو الإذاعات المحلية والتلفزيون التابع لونتلاند، وقد شارك هذا الحملة النساء والشباب، والوجهاء، والمسئولون، وتبرعوا بالدّم للجيش، وحملوا لهم زداً، وقد شارك كذلك في الحرب سكان الأرياف الذين بفضلهم أسر عدد من مقاتلي الحركة، وقد نشر السياسي والأكاديمي الدكتور عدالرحمن باديو في صفحته في الفيس بوك منشوراً للتعليق على أحداث بونتلاند قائلاً: “يبدو أن بونتلاند دخلت معركتها مع مقاتلي حركة الشباب وهي على قلب رجل واحد، فقد استنفرت كافة الفئات المجتمعية من وجهاء ووزراء ونواب، ومنظمات نسوية ومنظمات شبابية، كما لم تتخلف أي محافظة من محافظات الولاية عن الحملة، وهنا يطرح السؤال الآتي نفسه: لماذا لم تواجه حركة الشباب بحملة مماثلة في المناطق التي تسيطر عليها في الجنوب؟ إن محاربة الإرهاب في الجنوب مقتصرة على الأميصوم والجيش، بينما لا تعني هذه الحرب بقية المجتمع. لقد تعلمنا حين كنا في الجيش أنّه في أزمنة الحرب، على الجيش والشعب المشاركة فيها، ويكون دور الشعب الدّعم والتشجيع”

النظام الاجتماعي القويّ: ومن أهم الدروس التى يجب أن يعيها كل من يريد أن يأخذ العبرة من الأحداث الأخيرة أن أهم عامل ساعد القوات البونتلاندية على تحقيق الانتصار على قوات حركة الشباب هي الحاضنة الشعبية التى وفرّت لهم كلّ الدعم الذي يحتاجونه، بدءً من الدعم المعنوي ومرورا بالدعم الماليّ وانتهاء بتوفير المؤن التى أُرسلت من كلّ المدن البونتلاندي، ومن المعروف أن المجتمع البونتلاندي معروف ترابطه الوثيق حينما يتعلق الأمر بالدفاع عن كيانهم الحاليّ، مهما بلغت شدة الخلاف بين مكوناته سياسياً وفكرياً، فهناك نقطة مقدسة يتفق عليها كلّ الأطرف وهي حماية أراضيهم من التهديد سواء أكان من الخارج أم من الداخل

مشاركة كبار المسؤولين في الحرب: ومن الملاحظ في الاشتباكات الأخيرة، مشاركة الجيش البونتلاندي بكافة فروعه وتخصصاته، مثل قوات الدروايش، وقوات مكافحة الإرهاب، والقوات البحرية، وبرفقة كبار قياداتهم، حتّى أنّ أحدهم جُرح أثناء الحرب. إنّ تضافر الجهات العليا مع الجيش قد أدت إلى نتائج إيجابية بحيث أعطيت الجندي المحارب دفعة للقتال بشراسة طالما أن قائده يحارب العدو إلى جانبه

محاربة حركة الشباب لا تحتاج إلى قوات من الخارج، ولا تحتاج للتنازل عن سيادتنا كما أعلن الرئيس حسن شيخ محمود في آخر لقاء له مع نواب الصومالين حيث قال بالحرف واحد: من الممكن أن نوكل إدارة ملف الأمن الوطني، والاقتصاد والدفاع والقضاء وإدارة المحاسبة لجهات أجنبية، ولكن لا يمكننا أن نوكل إدارة ملف السياسة لجهات خارجية”، وهذه الخطاب يدل على بؤس كبار المسؤولين في الحكومة الصوماليّة الحالية، فإذا كان هذا هو خطاب الرئيس؛ فكيف يمكن له أن يؤسس منظومة عسكرية لديها “عقيدة قتالية” واضحة؟

لقد كانت الرسالة التى أرسلتها بونتلاند للحكومة الصوماليّة وكذلك الشعب الصومالي عموما تقول: إن هزيمة حركة الشباب يجب أن تكون مطلباً شعبياً قبل أن تكون خياراً عسكرياً، وأنه قد حان وقت بناء جيش صوماليّ موحد لكي تتسنى لهم حماية أراضيهم من أصحاب الفكر الجهادي المدمّر


Next Post Previous Post