سلطنة هرر:927هـ – 1520.م:بلاد الصومال


يأتي الموقع الجغرافي للمدينة الإسلامية بهرر على قطاع جغرافي متسع من الأميال الممتدة إلى الداخل نسبياً عن ساحل البحر الأحمر وتشكل عند قمته في هيئة مثلث تمتد أضلاعه وتستند عند مدينتي “زيلع zeila” و “بربرة Berbera” حيث تقوم وتنتشر كقاعدة عريضة له، بضع أميال ممتدة باتجاه المدينتين الساحليتين، وقد تمركزت هذه الإمارة الإسلامية المستقلة إلى الجنوب الشرقي من بلاد الحبشة وإلى الغرب من ميناء زيلع الصومالي أو مباشرة من الناحية الجنوبية الغربية، وربما في الاتجاه الشرقي من وسط البلاد، حيث يطلق عليها اسم منطقة هرر كمدينة ومقاطعة، ليشمل الحافة الشرقية للهضبة التي تلي المقاطعات الممتدة نسبياً صوب الشمال من بوغاز باب المندب حتى الجهات الجنوبية الغربية من خليج عدن.

تكونت سلطنة هرر على إثر سقوط سلطنة عدل ومال سلاطينها إلى مهادنة الأحباش.أصبحت مدينة هرر عاصمة منذ عام 927هـ/ 1520.م، وأول أمرائها إعلاناً للجهاد ضد نصارى الحبشة كان عقب وفاة السلطان محمد بن بدلاي عام 876هـ/ 1471م.

ثم ظهر عهد الإمام أحمدجري الغازي الذي بدأ حياته بالانتساب إلى أسرة الأمير محفوظ، فتزوج ابنته وكسب تأييد أنصاره وتثقف ثقافة دينية غزيرة، وصار أخيرا من قواد الأمير أبون بعد موت الأمير محفوظ ولما قتل الأمير أبون على يد السلطان أبي بكر، ترك الإمام أحمد مدينة هرر واستقر في مسقط رأسه في (هوبت) التي تقع في إقليم شوا بين قلديسى وهرر، يجمع الأنصار ويرتب المجاهدين، واستطاع كما رأينا أن يقتل السلطان أبا بكر بن محمد ويعين أخاه عمر دين بن محمد بدلا منه، وتصبح السلطة الحقيقية في سلطنة عدل في يده.

اتبع الإمام بعد أن سيطر على مقاليد الأمور في هرر سياسة موفقة جمعت الناس حوله. فقد طبق الشريعة الإسلامية في حكمه وخاصة في توزيع أموال الزكاة على مستحقيها، وكان السلاطين قبله يجمعونها ويحتجزونها لأنفسهم ولبطانتهم؛ كما طبق الشريعة بالنسبة لأموال الغنائم والفيء، فكان يخرج الخمس ويوزع الباقي على الجند. وبذلك كسب حب الفقهاء والعلماء والمشايخ، كم كسب أيضا محبة الشعب، فقد كان ((يجلس ويلطف بالمساكين ويرحم الصغير ويوقر الكبير ويعطف على الأرملة واليتيم، وينصف المظلوم من الظالم حتى يرد الحق إلى مكانه، ولا تأخذه في الله لومة لائم)). 

كما قضى على قطاع الطرق فأمنت البلاد وانصلح حال الناس وانقادوا له وأحبوه ونسجوا حوله الأساطير وقالوا عن ((لا تسموه السلطان ولا الأمير، ولكن سموه إمام المسلمين.. أو إمام آخر الزمان.. وأنه هو الذي يصلح الله تعالى به بلاد الحبشة)). ولذلك اشتهر بلقب الإمام دون غيره من الألقاب، ولم يتسم باسم السلطان أو الأمير.

وكان أشهر الملوك المسلمين -في الحبشة- جميعاً (923- 949هـ/ 1526- 1543م)، الذي أعاد لحكام مسلمي الحبشة سيرة الحكم الإسلامي الراشد وأدخل الأحباش المسيحيين والوثنيين جميعا في الإسلام حتى لم يبق على مسيحيته إلا قرابة عشرهم وبالرغم من انشغاله في الجهاد الإسلامي ورد عدوان الحبشة المسيحية وحليفتها البرتغال على مسلمي الحبشة إلا أنه لم يدخر وسعاً في الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والعمل على توفير حياة حرة كريمة لرعيته .

مما جعل حكمه فريدا بين حكم الملوك السابقين .وجعله اشهرهم و اقواهم و اعدلهم على الاطلاق وقد وحد ممالك المسلمين جميعا تحت سلطانه بل تربع على عرش الحبشة كلها و انتصر على الاحباش الذين كان المسلمون قبل حكمه يؤدون لهم الإتاوة وأدخلهم تحت سلطانه، ودخلوا في الإسلام. ولو لا تدخل البرتغاليين ومساعدتهم ملك الحبشة الطريد وفلول جيشه المهزوم لظلت الحبشة مسلمة جميعها إلى يومنا هذا.

لقد أدى تدخل الفرق البرتغالية إلى استشهاد الإمام أحمد عام 1543م بالقرب من بحيرة تانا فانهار جيشه ومحاربوه، وبعد ذلك أخذ مجد الممالك الإسلامية في الضعف وتراجعت قبائل الصومال والعفر وسائر المسلمين في مناطق القرن الإفريقي.

انتصار الأحباش على آخر حركة جهاد قوية قام بها المسلمون على يد الإمام أحمد جراي الغازي في الفترة (934- 949هـ/ 1527- 1542م) لم يؤد إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها انتصار الأسبان. فقد ضاعت بلاد الأندلس كدين ودولة كيان سياسي إسلامي مستقل وعادت إلى النصرانية من جديد، وأصبحت أحد أقاليم دولة أسبانيا، بينما في مناطق مملكة الطراز الإسلامي لم يتمكن الأحباش من القضاء على دين الإسلام وظل المسلمون على دينهم حتى الآن.




المصادر والمراجع
(1) الزبيدي، محمد حسين : هجرة العرب المسلمين إلى شرق إفريقيا، مجلة المؤرخ العربي، العدد (23) ص (99) 1983م بغداد، العراق.
([3]) ابن عبد البر: الدرر في اختصار المغازي والسير، ص22، الطبعة الثانية، بيروت لبنان.
([4]) ابن هشام: السيرة النبوية: جزء(1) ص 349، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان 14.9هـ 1989م.
العمري: جزء (2) ص 485
نور الدين عوض الكريم، ص 15
المقريزي: الإلمام، ص 14.
فتحي غيث: الإسلام والحبشة عبر التاريخ، ص 9-14 نقلاً عن رجب محمد عبد الحليم.
عرب فقيه: ص 2.2، 2.3شهاب الدين أحمد، فتوح الحبشة، الهيئة المصرية للكتاب 1394هـ 1974م..
العمري: مسالك الأبصار جزء (2) ص 481، 482
حسن محمود: الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا،
فتوح الحبشة: ص99.
ابن بطوطة: نقلاً عن المؤرخ العربي
Next Post Previous Post