مقال الأسبوع : الصومالية لسيت خادمة..! بقلم الكاتبة الصومالية فاطمة محمد حاجي حوش

المرأة الصومالية هي جزء حي وفعال داخل المجتمع الصومالي ، وطالما شاركت في حل مشكلات المجتمع بحضورها الذكي والنشط ، قد تكون مغيبة في كثير من مشاهد الشأن السياسي بقصد أو بغير قصد ، لكنها كانت دائماً تصنع أجواء الأحداث بهمسة منها ، ورؤية تراها ، فيتلقاها أبنائها الرجال ، فيكتبوا ما قالت بفعالهم ، ويتسلحوا برؤيتها البصيرة ، ويستهدوا بدعائها الصادق . فهي كانت دوما وطنا لكل من يريد الحل ، فكانت الأم البديلة لليتامى ، والسيدة العاملة المكافحة ، والزوجة من أجل حقن دماء القبيلة ، والجدة التي تربي من جديد ، والمجندة للوطن

وبالتأكيد هي القوية بثوب الرحمة ، وضعيفة بروح صلبة ، هي من أشعلت ثورة برمية حجر ، وأنجبت لبناء وطن بحب وصبر ، هي الحرة والعنيدة ، والحنونة والصبور ، دوماً تُبجل بالأشعار وتجري بدماء الأبطال ، عرفها السابقون ، ودُرست بطولاتها للاحقين 

تغربت أحياناً من أجل لقمة العيش ، وعمِلت في كل مهنة شريفة وهي تفتخر بكبريائها الأصيل ، حتى عندما كان اختيار بعضهن أن يخدمن في المنازل ، كان اختيارا “شخصيا ” وعلى ضوئه كانت تتحمل صاحبتها كل عواقب الناتجة عن ذلك الاختيار ، ومع ذلك كانت تحافظ تلك النساء على خيط الحرية الذي بيدها من خلال عدم خضوعهن المطلق لعبودية كفيل ، وتتمسك بالذي لا نقاش فيه ضمن مجريات الأمور من احتفاظها بجواز سفرها، ورأيها في الراتب المجزي لها، وترك المنزل في حال عدم ارتياحها

أما عندما تشعر بأنها تُسلب من ذاتيها من قبل شخص يقيدها بقوانينه المصطنعه؛ فإنها ببساطة “حرة أبية” حتى في أصعب وأحلك الظروف؛ ولكن يبدو بأن سياسة الصومال المتخبطة لم تعرف تلك الأنثى الحرة ، فبمرسوم سياسي ركيك يريدون جعلها خادمة مقيدة بعقد يجعلها تُصدر للخارج كبضاعة رخيصة؛ وذلك – كما يقولون – من أجل رفع المستوى الاقتصادي المتهالك في الداخل

أهي بدعة سياسية جديدة، أم مسرحية هزلية ثقيلة الظل ، أم هي حيلة ذكية تطمح لنزع صفحات النخوة والرجولة من قواميس العقل الصومالي ، أم ضاق الوطن بنسائه حتى تُستعبدن في الغربة برضى الساسة ، أم هي جاهلية معاصرة وسوق جديد للجواري ؟ ما معنى أن تكون الصوماليه خادمة لدول لها سجل انتهاكي لحقوق الخدم بشهادة منظمات حقوق الإنسان الدولية ، وما الجدوى من طرق باب مؤلم سبقتنا إليه دول إفريقية وآسيويه عانت الكثير ، وظلمت ، وذاقت الويلات ، وفُجِعت بالمصائب ، ولم تحصد إلا الندم ، ومنعت منعاً باتاً ، لا رجعة فيه ” لا خادمات للخليج بعد هذا اليوم ” ، ألم تكن مشاهد الحرق ، والصلب ، والاغتصاب كافية لكي نفكر ألف مرة قبل أن نضع بناتنا بين فكي كماشة

ما نصنعه اليوم من أفعال وما نقوله من أقوال يذهب إلى ذاكرة تاريخنا الوطني ، نورثه لأبنائنا ، كما وُرثنا نحن من أجدادنا تاريخ مشرف ، نسير به بين الأمم بفخر . فهلا أبعدنا أحفادنا من الخجل من تاريخ أجدادهم بدون مبرر مقنع؛ حيث لا تكون حاجتنا الاقتصادية سبباً يفقدنا معاني الكرامة وسمات العزة؛ لِما ننام عليه من كنوز ومعادن ثمينة تحت أقدامنا ناهيك عن المدفونة في بحارنا الممتدة على مد البصر

نسائنا هن أعراضنا ، وحماية الأعراض واجب ديني ، ومطلب وطني ، وأبسط حماية أن نرفض باسم الشعب هذا التراجع القيمي والأخلاقي في آن واحد قبل فوات الأوان، وعلينا أن نتساءل سؤالا واحد.. أيرضى الطرف الآخر لبناته مثل هذا الهوان مهما كانت الظروف ! 



بقلم فاطمة محمد حاجي حوش 

أخصائية نفسية صومالية من مواليد مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، خريجة جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية، تخصص علم النفس، حاصلة على ماجستير علم النفس التربوي من جامعة الجزيرة في السودان، تعمل حاليا محاضرة في جامعة شرق إفريقيا قسم مدينة غرووى بولاية بونت لاند الصومالية
Next Post Previous Post