مقال : نهاية حلم الانفصاليين في القرن الإفريقي




أيوب إسماعيل يوسف، نائب برلماني في مجلس الشعب الصومالي


من غير المقبول إطلاقاً قصف شعب أعزل وأبرياء بينهم أطفال ونساء بدعوى إجبارهم على الانفصال عن وطنهم، ومن غير المقبول إطلاقاً تدمير مبان سكنية بأهلها ومستشفيات ومرافق صحية ومساجد يذكر فيها اسم الله بحجة إجبار شعب بأكمله على الانفصال عن وطنه والانقياد لأهواء شرذمة انفصالية متغطرسة... هذا باختصار ما يجري في مدينة لاسعانود الأبية التي تقاوم قصف حكومة صوماللاند لليوم السابع عشر على التوالي واستشهد فيها العشرات وجُرحت المئات. فرحم الله شهداء منطقة سول ورزق جرحاها الشفاء العاجل.

بنهاية العام الميلادي المنصرم 2022م انتهى حلم انفصال منطقة تقراي عن باقي جمهورية إثيوبيا الاتحادية، وفي أوائل يناير الماضي من العام الحالي اجتاحت منطقة سول ونواحيها بشمال الصومال ثورة زرقاء تحمل في طياتها شوقاً عارماً إلى الوحدة الصومالية ونبذ كل ما علاقة بالحلم الانفصالي الذي ظلت تنادي به الشرذمة الحاكمة في أرض الصومال في شمال البلاد منذ ثلاثين عاما. وبوصول شيخ قبائل دولبهانتي، الغراد جامع ابن الغراد علي، إلى مدينة لاسعانود التي حسمت أمرها منذ منتصف يناير تبدّد ذلك الحلم الذي راود بعض أهل الشمال منذ ثلاثين عاما، رغم أن نظام هرجيسا لا يزال يقصف المدينة البريئة بأعنف الأسلحة دون حق.

الغراد في منطقة سول وما جاورها يعني زعيم قبيلة، والغراد جامع عاش في منفاه الاختياري خارج منطقة قبيلته أكثر من 15 عاماً تأففاً مما يعتبره استيلاءً وتزويرا لإرادة قومه المحبين لوحدة الصومال والرافعين راية شموخه منذ عهد السيد محمد عبد الله حسن الذي حارب الاستعمار واتخذ من منطقتهم معقله ومركز تحركاته.

وصول الغراد جامع إلى لاسعانود حيث استقبلته الجموع الغفيرة المتعطشة للوحدة والكرامة التي طوقت ساحة الحفل بأطول علم صومالي في التاريخ وضع التوقيع الأخير على وثيقة الوحدة في المنطقة، وكان على إدارة صوماللاند ألا تحاول قمع إرادة الشعب علها تنجح في كسبهم بطريقة ألطف ولكن حماقة قيادتها صبت الزيت في النار وعجّلت بنهاية حلم راود بعض الشماليين فترة طويلة.
ولمزيد من التعريف بمشكلة لاسعانود وصوماللاند، لابد من إطلالة تاريخية على جذور المشكلة، فقد أعلن الإقليم الصومالي الشمالي ( صوماللاند) بقيادة الحركة الوطنية الصومالية SNM انفصاله عن باقي الصومال عام 1991م من طرف واحد، في 18 مايو 1991 في اجتماع قبلي حضره ممثلون عن مكونات الإقليم الشمالي.
وحسب التقسيمات الإدارية في عهد زياد بري فإن إقليم أرض الصومال يشمل خمس مناطق إدارية هي: منطقة الشمال الغربي وعاصمتها هرجيسا، كبرى مدن الإقليم ( عاصمة أرض الصومال حاليا)، ومنطقة أودال وعاصمنتها بورما، ومنطقة توغدير وعاصمتها برعو، ومنطقة سول ومركزها لاسعانود، وأخيرا منطقة سناج وحاضرتها عيرقابو، وتضم المنطقة قبائل أبرزها : الإساق،السمرون، دولبهانتي، ورسنجلي، والأخيرتان من قبائل الدارود.

وظلت منطقة أرض الصومال باسمها الحالي ((Somali land مستعمرة بريطانية خلال الفترة (1884-1960)، بينما كان الجنوب الصومالي يخضع للاستعمار الإيطالي، ولما استقلت أرض الصومال في 26 يونيو 1960 بادرت بالانضمام إلى الصومال الجنوبي الذي استقل بدوره في 1 يوليو من العام نفسه. لكن الشماليين اشتكوا فيما بعد من التهميش واستئثار الجنوب بغالبية المناصب حتى انهارت الحكومة الصومالية المركزية.

ويبني الانفصاليون دعاويهم على ما يلي:

_ كانت لديهم دولتهم المستقلة قبل أن ينضموا إلى الصومال الجنوبي، وعليه يحق لهم حسب قولهم استعادة دولتهم والحصول على اعتراف دولي.

_ الجنوبيون استأثروا بالمناصب في عهد الوحدة، وذلك كان سبباً في تمرد قبيلة إساق.

_ حكومة زياد بري شنت حملة اعتقالات وقتل وتعذيب في أوساط قبيلة إساق لأسباب قبلية، وعليه يجب أن تكون لها دولتها الخاصة بها، على حدود محمية صوماللاند البريطانية.

_ على حكومة الشمال ( صوماللاند الانفصالية) أن تحافظ على وحدة الوطن بحدود المحمية البريطانية ولو كلفها ذلك إبادة مناطق وشعوب بأكملها.

وأما الوحديون في الشمال الصومالي فهم يبنون دعاويهم على ما يلي:

_ الصومال كل لا يتجزأ والاستعمار فرّق بين شطريه الشمالي والجنوبي، وأن وحدة البلاد أمر لا يقبل النقاش.

_ أن الحركة الوطنية الصومالية المعروفة اختصارا بـ SNM التابعة لقبيلة الإساق، بمساندة من النظام الإثيوبي حينئذ، ارتكبت مجازر جماعية في بعض المناطق الواقعة شرق وغرب صوماللاند حيث قبائل الدارود (شرق) والسمرون (غرب) إبان الحروب الأهلية في الصومال، ثم طويت الصفحة بمصالحات عشائرية انتهت بتشكيل حكومة صوماللاند على حدود المستعمرة البريطانية.

_ قبيلة الإساق تستأثر بالمناصب المهمة وتدير الموارد بطريقة غير عادلة وتقمع الأصوات المعارضة للانفصال بالسجن والرصاص الحيّ.

_ لكل مكون قبلي في الشمال الحق في التعبير وتقرير مصيره دون أن يكون مجبراً على التبعية لمكون قبلي آخر.

_ الحكومة الفيدرالية الصومالية التي تمثل جميع مواطني جمهورية الصومال جنوباً وشمالاً تعاملت بصبر استراتيجي مع الأهواء الانفصالية في الشمال ولم تفكر قط في شن حرب وطنية على إدارة صوماللاند الانفصالية رغم عبثها بسيادة الصومال، بل تركتها تدير شؤونها، محاولة إعادة قيادتها وإقناعها بالوحدة عن طريق التفاوض حقناً لدماء القبائل الصومالية، ومن باب أولى ألا تتهور الإدارة المحلية في الشمال غير المعترف بها دولياً في قمع شعوب وقبائل لا ترغب في الانفصال

يعلم المتابعون بأن غالبية سكان المناطق الشرقية في صوماللاند ( قبائل دولبهنتي وورسنجلي) كانوا وما زالوا يرفضون الانفصال، ولذلك كانت هذه المناطق تشهد قلاقل واضطرابات أمنية بينما تخضع أجزاء منها لحكم منطقة بونت لاند ذاتية الحكم ( غالبية سكانها من قبيلة الدارود)، لتظل محل تنازع بين الإقليمين: صوماللاند وبونتلاند.
وفي المناطق الغربية (منطقة أودال ذات الغالبية السمرونية) يوجد شعور عام بأن قبيلة الإساق تستأثر بكل شيء في الحكومة المحلية غير المعترف بها، وتستخدم نفوذ الدولة لأغراض قبلية، وأن الخلاص الآمن من هذه الأوضاع يكمن في وحدة الصومال أو إعلان دولة أودال الخاصة، كما توجد أفخاد من قبيلة الإساق نفسها تعلن تضررها وفقدها الثقة بالرئيس الحالي موسى بيحي، وهو ضابط سابق برتبة مقدم في القوات الجوية الصومالية إبان عهد زياد بري، ويتهمونه بأنه ينحاز لعشيرته الأقربين في كل أمر ذي نفع.

وإذا قمنا بتقييم الأوضاع الحالية في صوماللاند فإن الإدارة الانفصالية تخضع لأصعب اختبار في تاريخها، فالقمع والمجازر الوحشية التي تقوم بها قوات موسى بيحي في لاسعانود مستمرة على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي تجري محاولات إقناعه بأن قضية صوماللاند عادلة وتستحق الاعتراف منذ ثلاثة عقود، ولا يوجد أي مبرر بعد اليوم للتعامل مع كيان انفصالي وحشي يسعى لتحقيق مآربه بقوة الرصاص ويتلطخ بدماء الأبرياء.
وإذا ربطنا ما يجري في لاسعانود بالسياق العام في منطقة القرن الإفريقي فإننا ندرك إرادة إقليمية ودولية لرفض المشاريع الانفصالية في المنطقة، إدراكا بأن باب الانفصال إذا فتح فمن الصعب إغلاقه في البيئات الإثنية والقبلية، وخير دليل على ذلك ما آلت إليه الأمور في إقليم تغراي الذي حكم إثيوبيا من خلال زعيمه رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق ملس زيناوي مستأثرا بالمال والنفوذ طوال 30 عاما. ومن المعلوم أن إدارة صوماللاند نشأت وتربت بكنف التغراي وكانت متعاطفة متضامنة مع الجبهة الإثيوبية المتمردة في حربها الأخيرة ضد رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي أبي أحمد علي.

وبصفتي نائباً صومالياً من شمال البلاد فإنني أعبر عن تضامني الشديد مع أهالينا في منطقة سول ومدينة لاسعانود، وأؤكد أن قضيتهم عادلة تمس الكرامة والحرية والإنسانية والسيادة الوطنية، وأن أي محاولة لقمع إرادتهم تظل مدانة وغير مقبولة، كما أنني أشيد بجهود الحكومة الصومالية المركزية بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود والجهود المبذولة لتعزيز وحدة أراضي الصومال والقضاء على إرهابيي حركة الشباب، وأثمن أيضاً جهود رئيس جمهورية جيبوتي إسماعيل عمر جيلي ودعمه المستمر للصومال ووحدة وسلامة أراضيه منذ مؤتمر عرتا عام 2000م وحتى اليوم. ولا أغفل في هذا السياق عن الدور المشرّف لرئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية أبي أحمد علي في تعزيز الأمن والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي.


Next Post Previous Post