نحن والصومال بقلم السفير د. صلاح حليمة «١-٢»



أولا: الأهمية الاستراتيجية للصومال:

يشغل الصومال موقعا استراتيجيا حيويا فى أقصى الجنوب الشرقى من القارة الأفريقية، إذ بجانب أنه يطل على المحيط الهندى، فإنه يشاطئ خليج عدن وعلى مقربة من باب المندب وجزيرتى تيران وصنافير، ويقع جنوب البحر الأحمر حيث قناة السويس. واقع الأمر أن الصومال بموقعه الاستراتيجى الحيوى والمهم على النحو المتقدم، يتواجد على حدود نطاق الأمن القومى المصرى فى اتجاه محوره الجنوبى، ويحتل مكانة متميزة سواء فى نطاق الأمن القومى العربى بصفة عامة، أو فى إطار الأمن فى البحر الأحمر بصفة خاصة، والذى يتنامى الحديث، ولو على استحياء عن إنشاء منظمة ذات توجه أمنى بالدرجة الأولى، وذات مردود سياسى فى مرحلة تالية، تضم الدول المطلة عليه.

ثانيا: العلاقات المصرية الصومالية:

واقع الأمر أيضا أن العلاقات المصرية الصومالية تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، واتسمت بتعدد الروافد فى إطار من المصالح المشتركة والأمن المتبادل، لتشمل جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعيةـ خاصة التعليمية والصحية والثقافيةـ بل أيضا المجال العسكرى. وتجدر الإشارة هنا إلى مواقف تاريخية مشرفة سياسية وعسكرية متبادلة لكلا البلدين تجاه الآخر إبان أزمات إقليمية وأخرى دولية، أو حروب وقعت بين أى منهما وبين دولة بالجوار. لقد شهدت العلاقات بين البلدين فى تلك المجالات، منذ حقبة الستينيات وحتى انهيار نظام سياد برى العسكرى الذى اتسم بالديكتاتورية، ازدهارا وتناميا غير مسبوقين، ما لبث أن تراجعا مع بدايات الحرب الأهلية والصراعات العشائرية بين مكونات المجتمع الصومالى، والتى تمحورت حول اقتسام الثروة، والمشاركة فى السلطة، وتعزز هذا التراجع بتدخلات خارجية من دول بالجوار الصومالى ومن قوى إقليمية ودولية، وعلى نحو لم يزل خطره ومخاطره قائمة.

ثالثا: الأوضاع الداخلية فى الصومال وعلاقاته الخارجية:

وتؤكد حقائق التاريخ ووقائعه، أن الصومال تعرض للتفتيت والتقسيم ولم تزل مخاطره قائمة، فقد تم اقتطاع منطقة الأوجادين بمن عليها من أبناء الصومال وتم ضمها لإثيوبيا، وتم أيضا اقتطاع منطقة بمن عليها من أبناء الشعب الصومالى وضمها إلى كينيا، تحت مسمى الإقليم الشمالى الشرقى، وانفصل جزء منه يسعى إلى الحصول على الاعتراف الدولى به كدولة تحت مسمى صومالى لاند. هذا ولم يزل يقطن فى وجدان الشعب الصومالى عبر كافة أطيافه وفى أى مكان سواء فى الصومال أو بدول أخرى التمسك بوحدة أراضى الدولة وسلامته الإقليمة، بما فى ذلك صومالية المنطقتين، خاصة أن هناك حركات تحرير تطالب بعودة المنطقتين السليبتين إلى الوطن الأم.

لقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية لتصل إلى درجة العدم، وانهارت مؤسسات الدولة لتصبح أطلالا، وتحلل جيشها الوطنى وتفرق شمله، ليحل محله الميليشيات العشائرية بهدف تأمين مصالح العشيرة وتحقيق طموحاتها فى الثروة والسلطة. وفى ظل هذه التطورات السالبة، هرب ما يقرب من ثمانية ملايين صومالى إلى الشتات كنازحين أو لاجئين أو بحثا عن جنسية مكتسبة من دول المهجر، وليتبقى بالدولة ما يقرب من 10 ملايين نسمة.

ويخطئ من يعتقد أن الصومال دولة فقيرة، إذ ما يمتلكه من ثروات كامنة، حال استثمارها على النحو المنشود يمكنه عندئذ أن يصبح من الدول الصاعدة، فالصومال لديه ثروة معدنية كبيرة غير معلنة من أبرزها البترول والغاز واليورانيوم، وثروة حيوانية تقدر بحوالى 50 مليون رأس، وثروة بحرية ضخمة حيث يمتلك أطول شواطئ بحرية فى القارة الأفريقية «3340 كيلومترا»، وثروة زراعية تقدر بحوالى 10 ملايين هيكتار فى ظل تعدد مصادر المياه «أنهار داخلية ـ مياه جوفية ـ أمطار»، وتنوع المناخ، ليتنوع بالتالى الإنتاج الزراعى وتنامى فرص إقامة صناعات مرتبطة به وبالثروات الأخرى المشار إليها.

وإذا كانت وبحق هوية الصومال ثلاثية أى عربية أفريقية إسلامية، إلا أن العقد المنصرم شهد تغير اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين ذوى التأثير على مجريات الأمور فى الصومال وتوجهاته السياسية، فقد تراجع الدور العربى نسبيا مع تنامى أحاديث على استحياء تشكك فى عروبة الصومال، فى ظل تواصل محاولات طمس اللغة والثقافة العربية خاصة فى الجيل الجديد، وتنامى بالمقابل الدور الأفريقى بتوجه يدفع نحو أفرقة الصومال بالتوازى مع دور لقوى إقليمية على رأسها تركيا، وفى ظل تواصل الدور التقليدى لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا.

لقد تجسد مجمل ما تقدم على سبيل المثال لا الحصر فى الأخذ ـ طبقا للدستور المعمول به حاليا وهو ليس صومالى الصنع ولم يتم التصديق عليه بعد ـ بتوجه «فدرلة» الدولة الصومالية أى إقامة نظام فيدرالى يتكون من ستة أقاليم فيدرالية (بونت لاند، جوبا لاند، جنوب غرب الصومال، جلمدج، هير شيبل، صومالى لاند)، على أن يتكون الإقليم من محافظتين أو أكثر، وعلى نحو يبدو فيه قدر كبير من استقلالية كل إقليم، بل روعى عند تشكيل الإقليم شرطان غير معلنين تم الالتزام بهما فعلا بصدد كل منهما، الأول أن يكون مطلا على الساحل، والثانى أن يكون له حدود مع إثيوبيا، وهما شرطان لهما مغزى عميق واضح الدلالة، فنحن أمام منفذ بحرى بالأقاليم الستة لدولة مغلقة، وحدود مشتركة بالأقاليم الستة لنفس الدولة، يمكن من خلالها ممارسة نفوذ سياسى وعسكرى بكل إقليم. وهكذا لم تتأسس الأقاليم على معايير موضوعية تراعى أساسا مصالح أبناء الصومال فى إطار تركيبة المجتمع الصومالى الاقتصادية والاجتماعية. لقد تدخلت إثيوبيا عسكريا فى الصومال عام 2006.


لتستولى على جنوب الصومال للقضاء على المحاكم الإسلامية، وتدخلت كينيا عسكريا فى الصومال عام 2011 لمحاربة حركة الشباب، وتم تشكيل قوة متعددة الجنسيات عام 2012 «من بين وحداتها قوات إثيوبية»، ويتواجد حاليا على الأراضى الصومالية قوات أفريقية تحت مظلة الاتحاد الأفريقى تقدر بحوالى 22000 جندى بدعم مالى من الاتحاد الأوروبى تضم وحدات من أوغندا وبوروندى وإثيوبيا وكينيا وجيبوتى، فضلا عن 552 شرطى من بعض الدول الأفريقية. هذا وتتولى منظمتا الاتحاد الأفريقى والإيجاد تداول الملف الصومالى فى ارتباط مع دور للأمم المتحدة، وقوى إقليمية ودولية فى غياب دور عربى مؤثر وفاعل.

رابعا: مستقبل الصومال اتصالاً بالانتخابات الرئاسية الأخيرة:

لقد شهد الصومال أول تجربة ديمقراطية نادرة فى أفريقيا فى الستينيات عندما جاءت الانتخابات بشارماركى رئيسا للبلاد بدلا من آدم عبدالله عثمان، وتم إجهاضها بإغتيال شارماركى وبالانقلاب العسكرى عام 1969 وتولى سياد برى سدة الحكم، والذى انتهى نظامه الديكتاتورى فى بداية التسعينيات.

بقلم السفير د. صلاح حليمة - رئيس مكتب الجامعة العربية بالخرطوم
Next Post Previous Post